حافظ آل بشارة
قبل حسم موضوع تشكيل الحكومة ومن يقودها هناك تساؤلات عن برنامجها ان وجد ومن اين يبدا واين ينتهي ، والسؤال عن برنامج الحكومة اهم من السؤال عن رئيس الحكومة ، السبب في ترتيب الاولويات بهذا الشكل يعود الى كون وظيفة الحكومة معالجة الفشل ، وهذه المعالجة تتوقف على نوع البرنامج لا نوع الرئيس ، الرؤساء يتشابهون ولكن البرامج تتباين ، الرجال المتوفرون حاليا متساوون في الكفاءة والنزاهة والحرص والتدين الظاهري ، ولكن البرامج يمكن ان تختلف ولاننا عراقيون وعرب ومن العالم الثالث او الرابع لا يمكننا العثور على البرنامج الموعود مالم يتم العثور على رئيس الوزراء المنقذ ، على الجميع الانتظار لأن هناك اكثر من منقذ يتسابقون على خدمة هذا الوطن المهدم ، ازدحام على الأبواب لطلب الاجر والثواب ، وسواء تم حسم الموضوع هذا الشهر او بعد عشرة اشهر لن تتغير المعادلة القائلة بأن البرنامج الحكومي اهم من رئيس الحكومة في نظر الناس ، لكن رئيس الحكومة اهم من البرنامج في نظر أغلب المنقذين المزدحمين على الابواب ، حتى ذلك الوقت يجب التأكيد على معالجة الفشل ، مصدر الفشل ، مخطط العلاج ، ولأن ثقافة التخطيط الشامل مفقودة لذا فان تعريف الفشل يتحول الى مهمة صعبة محفوفة بالاجتهادات ، يوجد فشل حكومي سياسي سببه عوامل داخلية ، وفشل آخر سببه عوامل خارجية ، يزداد عدد الذين يهاجمون العدو الخارجي ويتسترون على عناصر الفشل الداخلية ، وهناك فرق كبير بين من يتاجر بمصائب الناس ومن يريد وقف تلك المصائب ، وكلما تصاعد الخطاب الاستنكاري الذي يندد بالمؤامرات الخارجية الخطيرة دل ذلك على وجود اسباب داخلية للفشل ووجود من يريد التنصل عنها وتوجيه الانظار الى عدو خارجي مضخم او افتراضي ، لا بأس ان يجري صب اللعنات على الاعداء من كل الانواع الشائعة العاملة من وراء الحدود ، ولكن يجب تخصيص لعنات اخرى الى عناصر الفشل والتدمير الداخلية وهي اشد خطورة واقوى اثرا لا يمنعها سونار ، ولا يكشفها منظار ، سرقة الاموال ، تغليب المصالح الفردية والحزبية ، عدم الشعور بالمسؤولية ، خيانة الدين والوطن ، الخونة والسراق والانانيون هم مواطنون محليون لم يأت احد منهم من الخارج ، فهم انتاج وطني محلي مئة بالمئة ، وجود العدو الخارجي اصبح وسيلة مناسبة للتغطية على العدو الذاتي الداخلي الخصوصي ، هذا الاسلوب في التنصل والتبرؤ يستند الى تأريخ طويل متشابه في هذا الفن العريق الذي محوره القاء اللوم على الاستعمار والصهيونية والمؤمرات الخارجية والاستكبار وتغليف تلك الحملات بالشعارات اللامعة والتعبئة الثورية والوحدة الفورية والمقاومة الشاملة من اجل اعادة امجاد الامة وغير ذلك من الاكاذيب المملة ، منذ ستة قرون مارست بلدان المنطقة هذه العملية الممتعة ، نخب متصارعة تسود وجه التاريخ بالوان من الفساد والخيانة والانانية والقسوة وتحصد الهزائم لشعوبها ثم توجه الشتائم الى الاستعمار والتدخل الخارجي ... الظروف التي يمر بها العراق الآن نتعلم منها الكثير ، كل مافي هذه الايام من تأخير وتلكؤ وفوضى اسبابها وطنية داخلية بحتة ولا يمكن القاء اللوم على أي جهة اجنبية ، ولايمكن اتهام الاستعمار والصهيونية بانها تقف وراء هذا التباطؤ المؤلم ، بل ان ما تفعله اطراف وطنية من افاعيل سيؤدي الى تاخير انسحاب جيوش (الاستعمار والصهيونية) من بلدنا ، انها مناسبة لكي يتحدث الفقراء في المقاهي عن جذور هذا التراث العريض من لعن الاستعمار ومؤامراته ، انه ذلك الاستعمار المظلوم البريء الذي اصبح كذئب يوسف ، بعض البلدان لا تحتاج الى مؤامرات خارجية لكي تتدهور امورها فهي ملغومة بعناصر التدمير والفوضى ، ما هو الحل ؟ الحل ان يصلح الجميع انفسهم ويقاوموا العدو الداخلي النفس الأمارة بالسوء وهي كلمة سهلة يكررها الوعاظ يوميا ولكن من يقرأ من يكتب ؟ .
https://telegram.me/buratha