بقلم ابراهيم الجبوري
تعتبر فترة حكم البعث الصدامي الاقسى والاكثر دموية في تاريخ الشعب العراقي بما تخللها من حروب ومقابر جماعية واضطهاد ديني و سياسي وفكري مضافا له الانحدارالعلمي والانهيار الاقتصادي والعمراني وتضرر النسيج الاجتماعي العراقي مما مهد الطريق لتدخل الارادات الاجنبية واجنداتها المختلفة فيه ومن ثم فقدان السيادة والوقوع تحت طائلة الاحتلال العسكري الامريكي وفرض الوصاية والهيمنة الاجنبية عليه . بعد كل ما حملته المرحلة السابقة من معاناة واضطهاد وظلام دخلت الديمقراطية الى بلدنا تجرها سرف الدبابات الامريكية وهمراتها وتستشعر طريقها شعارات وبرامج الديمقراطية التي بقيت مركونة لعقود في حقائب رموز المعارضه للنظام البائد وقادتها والتي كانت تكثر الحديث عنها وتؤملنا بأنها نظام حكمنا الجديد ومنهجه اذا سقط الصنم ونظامه. والديمقراطية التي هي عبارة عن نظام حكم وممارسة يترتب عليها حقوق وواجبات على جميع افراد المجتمع ومنظومة ادراته ترقى الشعوب من خلالها وتبني اوطانها بشكل حضاري متطور بعيدا عن الصراعات الهدامة للوطن وتصان فيه حقوق ابناء الشعب للعيش بكرامة والتعبير عن ارائهم بحرية ضمن حدود القانون والدستور ويحترم فيه كل طرف حقوق الطرف الاخر... تعاني المحنة في بلدنا بعد ان تنكر لها الاحتلال وتحول دعاتها الى رجالات حكم وسلطة وزعامات اثنية وطائفية وحزبية فما هي محنتها؟ ان محنة الديمقراطية في بلدنا كونها اصبحت نظام حكم الدولة ولكن الساسة الجدد جعلوها منظومة دكتاتورية جديدة من خلال ابتكار العديد من الا ساليب والطرق الجديدة للالتفاف على مكتسباتها وتعزيز السلطة الفرديه الدكتاتورية من خلال خلق زعامات جديدة تؤسس وتثبت شخصنة المنصب لشخص محدد وقائد ضرورة لايمكن ان تصلح القيادة لغيره بما يعزز المصالح الحزبية والفئوية الضيقة. وما يمر به البلد بعد سبع سنوات من سقوط الصنم من تدهور امني وخدمي واقتصادي بسبب الاستخدام الخاطئ لتفسير الديمقراطية التي اعتبرها البعض حقا مكتسبا لهم دون الاخرين لجلب الطالح قبل الصالح وتسليمهم مقاليد البلد واموره لغرض تعزيز زعاماتهم الحزبية والعائلية وتكريس حالة الاقصاء والتهميش المفروضه على كفاءات البلد المخلصة العلمية والادارية واصحاب الخبرات العملية تزيد من محنة الديمقراطية ايضا . وان لزيف الشعارات الديمقراطية الذي كشفته الانتخابات البرلمانيه الاخيرة الاثر الكبير باظهار عمق المحنة التي تمر بها الديمقراطية في بلدنا مع أصرارالسياسيون على تفضيل مصالحهم الشخصية الضيقة والتمسك بمواقعهم الحكومية والسلطوية وخصوصا منصب رئاسة الحكومة الاهم على مصلحة العراق وابناء الشعب العراقي الذي ضحى ابناءه بحياتهم ودمائهم الزكية والغالية من اجل تعزيز الديمقراطية ونظام الحكم الجديد في العراق. وعلى الرغم من الفراغ الدستوري الذي يشهده البلد وحالة الانفلات الامني الذي راح ضحيته العشرات من الشهداء خلال الانتخابات وما تبعها من حالة الجمود السياسي فأن شخصنة المواقع الحكومية والسيادية لاشخاص دون غيرهم وعدم تفكيرهؤلاء جديا بالتنازل عنها او ابداء المرونة اللازمة من اجل تشكيل الحكومة الجديده سوف يكون اخر مسمار يدق في نعش احلامنا بالتداول السلمي والديمقراطي للسلطة في بلدنا. ولابد ايضا من الاشارة الى ان المعارضة القوية من اهم مقومات عوامل نجاح الديمقراطية وديمومتها في الوقت الذي تسعى فيه جميع الكتل والاحزاب بقوة للحصول على مكاسب السلطة وامتيازاتها الامر الذي يجعل الديمقراطية في محنة اخرى لفقدانها اهم مقومات نجاحها في انضاج وتفعيل العمل السياسي مع تصحيح مسارات عمل الحكومة الخاطئة ومراقبتها لتقويم اعوجاجها وكل هذا ينذرنا باستمرار حالة التردي الخدمي والفساد الاداري والمالي مع مزيدا من التخبط بملفات البناء و اعمار البلد . من كل المحن التي مرت وتمر بها الديمقراطيه في عراقنا نجد انها لم تخطوا الا خطوات بسيطة نحو الديمقراطية الفعلية والحقيقية القادرة على قيادة المجتمع نحو الرقي والتقدم ولعل السبب الرئيسي لمحنة الديمقراطية بعد الاحتلال هو الاصرار الواضح ممن فشلوا بادارة الدولة بان لا يتيحوا الفرصة لغيرهم بالتصدي للمسؤولية و تقديم برامج عمل جديدة لتطوير عمل الحكومة واداءها وسلوك هؤلاء لطرق الضغط السياسي عبرالاعتقالات العشوائية للابرياء والتعذيب واهانة كرامة المواطن العراقي ووضع العراقيل امام تشكيل الحكومة الجديدة مسلكا ونهجا للبقاء طويلا في الحكم . ان على الساسة ان يفوا لنا بما وعدوا به وان يبتعدوا عن الاساليب الدكتاتورية ويتجاوزوا محنة الديمقراطية من خلال التعامل وفق مفاهيمها بعيدا عن لغة الربح والخسارة ووضع مصلحة العراق الوطنية وابناء الشعب العراقي فوق المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والقومية من اجل ارساء قواعد العمل المنهجية الصحيحة لاعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتشكيل حكومة قوية وفاعلة قادرة على العطاء وتنفيذ البرامج والخطط التي تضمن اعادة بناء البلد واعماره وانعاش اقتصاده وتوفير الخدمات لابناءه ونشر الوعي الديمقراطي بين ابناء الشعب لارساء النظام الديمقراطي فيه نهجا وفعلا. أبراهيم الجبوري
https://telegram.me/buratha