ميثم الثوري
ان واحدة من الاسباب التي جعلت الفكر السياسي لشهيد المحراب (قدس سره) يتصدر الفكر السياسي وتخلو مسيرته السياسية من حالات الزلل والخلل هي اعتماده على الرؤية الاسلامية ومعطيات الشريعة في الحلال والحرام وبقية مواردها في التعاطي مع الواقع السياسي باعتباره فقيهاً ومجتهداً فإن الفقه السياسي لا يصلح أن يُقْدِم عليه المبتدئون أو السطحيون من السياسيين، وإنما هو في حاجة إلى فقهاء متضلعين تضلعاً كاملاً في فقه الشريعة بمعناه الشامل، إضافة إلى الخبرة الواسعة بالواقع، والالمام بالقواعد الفقهية التي يتحدد من خلالها الاستنباط للمسائل السياسية وربما هو الاصعب من بقية ابواب الاستنباط للمسائل العبادية التي لا تتطلب بذل الجهد الكبير اثناء عملية استنباطها لتراكماتها في كتب الفقهاء القدامى والمتأخرين والمعاصرين كما ان عملية صنع القواعد والقرارات السياسية ليست مقصورة على التوصل إلى قرار أو قاعدة ملزمة في المسائل المستحدثة التي لم يسبق بحثها فقها أو لا يوجد بخصوصها رأي فقهي سابق، بل تمتد لتشمل الترجيح بين الآراء الفقهية المتعددة في الوقائع المعروضة وذلك بإدخال هذه الآراء الراجحة -المناسبة للوقائع المثارة- إلى دائرة التبني والقبول السياسي تأسيسا على المواءمة التاريخية والتيسير على العباد وتحقيق المصالح، بينما تخضع الرؤية الاجتهادية للمسائل السياسية الى بذل المزيد من التصورات والالمام بالواقع السياسي ومتغيراته وادراك المصالح والمفاسد وظروف الزمان والمكان ودخولها في عملية الاستنباط.قد يستطيع الكثير من الفقهاء الالمام بالجانب الفقهي وقدرته على الاستنباط في هذا المجال ولكن استنباط المسائل السياسية وتحديد الوظيفة العملية للمكلفين يحتاج الى قدرة سياسية ورؤية فقهية قد لا تتوفر لدى الكثير من هؤلاء الفقهاء وهو ما ميز شهيد المحراب عن الكثير من اقرانه ومعاصريه من العلماء والمراجع.وهذا التميز في القدرة على استنباط الاحكام السياسية واحدة من اهم مزايا شهيد المحراب (قدس سره) فقد كان الفقه محصوراً في مجال الاستنباط في المجال العبادي وابتعاد الكثيرين عن الخوض في المسائل السياسية،لاسباب لا مجال لسردها هنا ولكن بشكل اجمالي نشير الى اهمها وهي حالة العداء المستحكم التي صبغت علاقة الشيعة بالأعم الاغلب من السلطات السياسية التي قامت على مر التاريخ الاسلامي، وترجمت من قبلهم بمزيد من الايغال في الانغلاق والتقية فيما خص المحور السياسي من جهة وغياب التجربة السياسية في الحكم وانشغال الفقهاء بمواجهة تحديات موضوعية عديدة، أملت عليهم التنظير لقواعد عامة تلبي كل احتياجات مذهبهم على المستويين العقائدي والفقهي من جهة اخرى.المتتبع لمنهج شهيد المحراب السياسي بتأن وبقراءة واعية يجد عمق هذا المنهج واستحكامه ووضوحه واعتداله وتميزه بالوسطية والتوازن وفق فهم واع للنصوص الشرعية واعمال القواعد الفقهية في تطبيقاتها الواقعية دون افراط او تفريط.وكان ما يميز هذا المنهج هو استبعاده لكل الاساليب الملتوية والوسائل غير النزيهة كالميكافيلية، والازدواجية في المعايير واستخدام الالاعيب السياسية وفقدان المصداقية.وقد تثار شبهات ومغالطات على اهمية عزل الفقيه واستبعاد دوره في تحديد الموقف الشرعي للقضايا ذات الجدل المثير في المجتمع والحياة وان دوره لا يتعدى سوى المسجد والافتاء بالمسائل العبادية ليكون دور التأثير والتعبير عن الموقف السياسي لغيره من السياسيين.هذه مغالطة يراد منها تبرير الاخطاء وابعاد المراقبة والمحاسبة عن اداء السياسيين خصوصاً ان هذا الاداء يتعلق بتعقيدات ومستجدات يجعل من الفقه السياسي حاكماً على رؤاها لمساسها بارواح الناس ومصائرهم فليس جميع السياسيين بقادرين على تمييز المصالح والمفاسد فان من المصالح والمفاسد ما هو مدرَك بالاجتهاد لا سيما أن منها ما هو متجدد بتجدد الأزمان ويختلف باختلاف ظروف المكان ، ويعظُم هذا الخلط والاضطراب عندما لا تتميز المصالح من المفاسد، فتكون المصلحة المطلوب تحصيلها تكتنفها مفسدة أو عدة مفاسد، وكذلك قد تكون المفسدة المطلوب دفعها مختلطة بمصلحة أو عدة مصالح، ولا يمكن دفعها على الانفراد، فيكون في دفعها دفعاً لتلك المصالح.والموقف الايجابي لشهيد المحراب في توجيه مسارات الوعي السياسي للجماهير باتجاه طاعة المرجعيات الدينية والوقوف معها والتمسك بها كضمانة اكيدة من الانحراف والزيغ والزلل من مغريات السياسة والاعيبها.شهيد المحراب قائد ومرجعاً كان يؤكد باستمرار على اهمية الارتباط بالمرجعية الدينية وهو جزء من حركتنا السياسية وشرعيتنا فالابتعاد عن المرجعية هو اول خطوة باتجاه الانحراف والضياع والزلل. ورغم ما يتمتع به شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم من خصائص اجتهادية وفكرية تؤهله للافتاء وابداء الحكم وتحديد الوظيفة الشرعية الا انه خاطب المراجع العظام في النجف الاشرف قائلاً " اقبّل أياديكم" وطالب مريديه وانصاره ومحبيه بضرورة التمسك بالمرجعية الدينية وطاعتها في واحدة من مواقف الايثار والتفاني والتضحية الفريدة في اداءات المرجعيات على مرّ التأريخ. فما احوجنا الى فكره وعطاءاته في هذا الزمن الصعب وقد رحل عنا ونحن احوج ما نكون اليه فسلام عليه يوم ولد ويوم هاجر ويوم عاد الى الوطن ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
https://telegram.me/buratha