أحمد سعيد
نما المفهوم العروبي القومي أواسط خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي بدعوى مباشرة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ، وكان لعبد الناصر حينها غرضين لا ثالث لهما ، الاول هو إرضاء نشوة الظهور والقيادة في شخصه من خلال العشرات من المواقف كما حصل عند إرسال الجنود المصرين الى اليمن وكذلك دعم بعض الجهات المتفقة مع خطه العروبي في الثورة الجزائرية دون الاخرين ومشروع الوحدة العربية الفاشل بين مصر والعراق وسوريا وغيرها كثير ، أما الغرض الثاني فكان القصد منه هو ألاستفادة من الثروات العربية ألاخذة الظهور والتطور وخاصة الثروة النفطية التي تفتقر لها مصر ، وكان عبد الناصر بحاجة لهذه الثروة لبناء مجده الشخصي على حساب الشعوب العربية الاخرى ، ولذلك بدأ التيار المؤيد له والمستفيد من هذه الفكرة بنشر الفكر القومي العروبي والذي بنى منه حزب البعث المنحل في العراق خُلاصة أفكاره ، وكذلك حزب البعث في سوريا.ولم يفلح عبد الناصر في قطف ثمار عمله بسبب الموقف الصارم الذي تبناه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم من المد العروبي القومي ، حيث إن الزعيم قاسم كان يضع الوطن بالمعيار الاول وقبل كل المسميات الاخرى ، وقد حاجج عبد الناصر متهما إياه بأتخاذ القضايا العربية وبالاخص قضية فلسطين ذريعة لتمرير المصالح الشخصية في الوقت الذي كانت فيه فلسطين غير بعيده عن عبد الناصر .إنتهت الناصرية بعد مجيء السادات الى السلطة وقمع رؤوسها الكبار ومنهم علي صبري وجمعة شعراوي وسامي شرف ومحمد فوزي وأخرين من النخبة السياسية الحاكمة أيام عبد الناصر ، وبعد أنقلاب هواري بوميدن في الجزائرعلى الرئيس الجزائري ذو التوجه القومي أحمد بن بلا وإيداعه في سجن سري لما يقارب 15 عاما .وقد كان لسقوط حكم البعث الفاشي في العراق ووصول الاحزاب الشيعية والكوردية للسلطة ، من أهم دوافع التحول وعودة الصراع بين المد القومي العروبي من جانب والحس الوطني الهادف لانشاء دولة متماسكة وقوية في العراق تقوم على مفاهيم مؤسساتية وعلمية رصينة من جانب اخر .حزب البعث المهزوم يحاول هذه المرة إثارة مفهوم اخر للقومية مبني على الفكرة العقائدية الدينية للمسلمين ومحاولة إظهار المذهب الجعفري وكل أتباعه من الشيعه بأنهم من ألايرانيين وإن جذور هذا المذهب نشأت في إيران وتبنتها الدولة الصفوية في القرن الخامس عشر الميلادي وعليه فإن الشيعة بالنتيجة هم من الفرس وولاءهم الديني نابع من إنتماءهم القومي ، وأن المذاهب الاسلامية الاخرى هي الترسيخ الحقيقي للمفهوم العربي والذي لابد ان يقف بالضد من المذهب الجعفري دون المذاهب ألاخرى . وبالتأكيد فأن مثل هذا الطرح لاقي ترحيباً عاليا بين النخب السياسية في كل من السعودية ومصر لاسباب يطول البحث والشرح فيها ولكن يبقى من أهم مرتكزاتها هو التأثيرعلى المؤسسات الدينية في تلك البلدان لتمرير الكثير من المشاريع السياسية التي تتعارض مع المفهوم الحقيقي للدين الاسلامي الحنيف .وعليه فأن ألاعلام العراقي امام مسؤولية كبيرة وجادة للوقوف بحذر وحزم من كل الكتابات والافكار الهدامة التي تسعى لتنمية وتطوير الفكر القومي والذي يتعارض مع مفهوم الولاء للوطن ، ويثير النزاعات مع أبناء ألامة العراقية ، ويعطل مشروع الديمقراطية وينمي المفاهيم الهدامة البالية التي لابد من التصدي لها حتى يتسنى الوصول الى بر الامان بعد عقود طويلة من ألاستئثار بالسلطة وفقاً لتلك المفاهيم والافكار المسمومة .
https://telegram.me/buratha