احمد الربيعي
المعالم الهامة البارزة في حياة الامام الصادق (عليه السلام) يمكن ان تتلخص بما يلي:1) تبيين مسألة الامامة والدعوة اليها.2) بيان الاحكام وتفسير القرآن وفق ما ورثته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن الرسول الاكرم (صلوات الله عليه وآله).3) اقامة تنظيم سري ايديولوجي - سياسي.
اولا: تبيين مسألة الامامة والدعوة اليها.هذا الموضوع يشكل ابرز خصائص دعوة ائمة أهل البيت ، منذ السنوات الاولى التي اعقبت رحيل النبي محمد (صلوات الله عليه وآله) ، كانت مسألة اثبات امامة أهل البيت (عليهم السلام) تشكل طليعة الدعوة في كل العصور الامامة، هذه المسألة نشاهدها ايضا في ثورة الامام الحسين (عليه السلام) ونشاهدها بعد ذلك في الثورات المتاعقبة التي قام بها اتباعهم وابنائهم مثل ثورة زين بن علي، ودعوة الامام جعفر بن محمد الصادق (عليهما صلوات الله وسلامه) لا تخرج عن هذا النطاق ايضا.أن الامامة في مدرسة أهل البيت ونظرية هذه المدرسة بشأن الامامة تتلخص فيما يلي :الامام والزعيم السياسي في المجتمع الاسلامي يجب أن يكون منصوبا من الله بأعلان من النبي (صلوات الله عليه وآله) ويجب ان يكون قائدا فكريا ومفسرا للقرآن وعالما بكل دقائق الدين ورموزه ويجب ان يكون معصوما من كل عيب خلقي واخلاقي وسببي وكذا يجب ان يكون من سلالة طاهرة.فالشيعة تعترف بامامة الفرد حين يكون ذلك الفرد متمتعا بخصائص هي ـ اضافة الى مقدرته على ادارة الامور الاجتماعية ـ قدرته على التوجيه والارشاد والتعليم في الحقل الفكري والديني والتزكية الخلقية. وإن لم تتوفر فيه هذه القدرة لا يمكن أ يرقى الى مستوى الامامة الحقة، وليس بكاف حسن الادارة السياسية والاقتدار العسكري والفتوحات وامثالها من الخصائص التي كانت معيارا كافيا لدى غيرهم. فمفهوم الامامة لدى اتباع اهل البيت يتجه الى اعطاء امامة المجتمع حقه قيادة ، ذلك المجتمع في مسيرته الجماعية والفردية، فالامام رائد مسيرة التعليم والتربية وقائد المسيرة الحياتية، ومن هنا كان النبي الاكرم (صلوات الله عليه وآله) اماما ايضا، لانه القائد الفكري والسياسي للمجتمع الذي اقام دعائمه وبعد رحيله تحتاج الامة الى امام يخلفه ويتحمل عبء المسؤولية بما فيها السياسية.ولابد من الاشارة الى تداخل المهام الثلاث للامامة وهي القيادة السياسية ، والتعليم الديني والتهذيب الاخلاقي والروحي في الامامة الاسلامية ناشئ من عدم وجود تفكيك بين هذه الجوانب الثلاثة في المشروع الاسلامي للحياة البشرية ، فقيادة الامة يجب ان تشمل قيادتها في هذه الحقول الثلاثة ايضا وبسبب هذه السعة وهذه الشمولية في مفهوم الامامة لدى اتباع مدرسة أهل البيت كان لا بد من أن يعين من قبل الله سبحانه.من ذلك ما ورد بشأن الامامة بأنها ((منزلة الانبياء وأرث الاوصياء ، أن الامامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين ، أن الامامة زمام الدين، ونظام المسلمين وصلاح الدنيا، وعز المؤنين، أن الامامة أس الاسلام النامي وفرعه السامي بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والاطراف)) اصول الكافي.وبالعودة الى دعوة الامام الصادق (عليه السلام) وسائر أئمة أهل بيت العصمة (عليهم صلوات الله وسلامه) كان يدور حول ((الامامة)) ولاثبات هذه الحقيقة التاريخية امامنا روايات متظافرة تنقل بوضوح وصراحة عن الامام الصادق (عليه السلام) ادعاءه الامامة وقد كان يرى نفسه في مرحلة من الجهاد تستدعي أن يرفض بشكل مباشر وصريح حكام زمانه، وأن يعلن نفسه بأنه صاحب الحق الواقعي ، وصاحب الولاية والامامة، ومثل هذا التصدي يعني عادة اجتياز سائر المراحل الجهادية السابقة بنجاح ، ولابد ان يكون الوعي السياسي والاجتماعي قد انتشر في قاعدة واسعة ، وان الاستعداد محسوس بالقوة في كل مكان ، وان الارضية الايديولوجية قد توفرت في عدد ملحوظ من الافراد، وان جمعا غفيرا آمن بضرورة اقامة حكومة الحق والعدل ، وأن يكون القائد - اخيرا - قد اتخذ قراره الحاسم بشأن هذه المواجهة الساخنة مع سلطان الحكومة الجائرة، وبدون هذه المقدمات فإن اعلان إمامة شخص معين وقيادته الحقة للمجتمع أمر فيه تعجل ولا جدوى منه.وقد روي في البحار عن (عمرو بن ابي المقدم) في يوم التاسع من ذي الحجة ، اذ اجتمع الحجاج في عرفة لأداء مناسك الوقوف ، وقد توافدوا على هذا الصعيد من كل فج عميق، من اقصى خراسان حتى سواحل الاطلنطي، والموقف حساس وخطير، والدعوة فيه تستطيع أن تجد لها صدى في اقاصي العالم الاسلامي ، انضم الامام (سلام الله عليه) الى هذه الجموع الغفيرة المحتشدة ـ ليوصل اليها كلمته ـ حيث يقول الراوي ، رأيت الامام قد وقف بين الجموع ورفع صوته عاليا وينادي :(( أيها الناس أن رسول الله كان الامام ثم كان علي بن ابي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم ....)) فينادي ثلاث مرات من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه، اثني عشر صوتا. البحار ج107 ص 58.ورواية اخرى ينقلها ((ابي الصباح الكناني )) حيث يقول ، قال لي ابو عبد الله (عليه سلام الله) "يا ابا الصباح ، نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الانفال ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون..." البحار ج32 ص 199.وبذلك يعلن الامام (عليه السلام) حقه في قيادة الامة بأسلوب يجعله مرتبطاً بجده علي بن ابي طالب - ففي ابواب كتاب الحجة - من الكافي وكذلك الجزء (47) من ((بحار الانوار)) أحاديث كثيرة من هذا القبيل ، تتحدث بصراحة عن الدعوة والادعاء الذي صرح به الامام بأحقيته بالامامة .
https://telegram.me/buratha