احمد الربيعي
الحلقة الاولى تتميز حياة الائمة من أهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه) بانها سلسلة مترابطة الحلقات محكمة البناء، وكانت طبيعة المرحلة التي يعيشها كل امام تفرض عليه موقفا قد يبدوا ظاتهريا يختلف اختلافا جذريا عن موقف من سبقه او لحقه، كما في موقفي الامامين الحسن والحسين (عليها السلام) ، وهذا في الحقيقة ليس اختلاف ، بل هو استجابة لما تمليه الظروف ، بحيث يكون الموقف حيال هذه الاستجابة مكملا للدور الذي كان يقوم به الامام السابق ، او هو ممهد للدور الذي سوف يضطلع به الامام اللاحق.ثمة نظرتان خاطئتان بشأن الامام الصادق (عليه السلام) ناشئتان عن لونين من التفكير، ومن الغريب انهما على اختلافهما تتقاربان في الشكل والمحتوى والمنشأ:1) نظرة تصور الامام عالما باحثا واستاذا كبير انتهل من بحر علمه او حنيفة ومالك ....، لكنه كان بعيدا كل البعد عن كل مقاومة لعدوان السلطة على الدين وعن كل ما تتطلبه مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر امام السلطان الجائر ولم يكن يبدي أي رد فعل تجاه ما يحل بالمجتمع الاسلامي ولا يكترث بما كان يكتنز المنصور من اموال طائلة في حين كان المجتمع يعيش حالة من الفقر.2) النظرة الاخرى يحملها الذين لا يعترفون بامامة الصادق (عليه السلام) وهي نظرة متحاملة على الامام، ترى ان الامام وقف تجاه ما كان يحيق بالمجتمع من ظلم موقف عدم اكتراث ، حيث المجتمع يضج بالمظالم الطبقية والطغيان السياسي والسيطرة المقيتة على اموال الرعية وعلى انفسهم واعراضهم، واكثر من ذلك على عقولهم ونفوسهم وتفكيرهم ومشاعرهم في مثل هذه الظروف يتجه الامام الى البحث والدراسة وتربية الطلبة ويصب اهتمامه على تخريج الفقهاء والمتكلمين !!3) النظرة الثالثة وهي نظرة يمكن أن يسنبطها كل ثاقب نظر بالرجوع الى المصادر والمراجع ، وهذا الاستنباط لا يختص بحياة الامام الصادق (عليه السلام) بل يشمل كل ائمة اهل البيت (عليهم صلوات الله وسلامه) مع الفارق في خصائص عمل كل منهم حسب ما تقتضيه ظروف الزمان والمكان وهذا الاختلاف في الخصائص لا يتنافى مع وحدة روح العمل المشترك وحقيقته ومع وحدة الهدف والمسير.كانت مهمة الامام الصادق (عليه السلام) في ظروف الامة الاسلامية المظلمة والتحديات التي تواجه المجتمع المسلم والانحراف العقائدي والفوالاخلاقي الحاصل في مفاصل مفاهيم الدين تتلخص في طرح الفكر الاسلامي الصحيح ، اي طرح الاسلام كما جاء في القرآن وسنة رسول الله (صلوات الله عليه وآله) مع مكافحة جميع الانحرافات والتشويهات الجاهلة والمغرضة وكذلك التخطيط لأقامة نظام العدالة الاسلامية وصيانة هذا النظام في حالة اقامته. كلا المهمتين ؛ المهمة الفكرية والمهمة السياسية تشكلان خطرا كبيرا على النظام الحاكم، وليست المهمة السياسية وحدها تثير سخط السلطة. فالمهمة الفكرية ايضا تلغي تلك الافكار والمفاهيم المنحرفة التي قدمها السلطان ووعاظه باسم الدين الى المجتمع ، من هنا فإن العملية الفكرية لها الاولوية ، لأنها تقضي على الزيف الديني الذي يستند اليه الجهاز الحاكم في مواصلة ظلمه.من جهة اخرى فإن الاوضاع السائدة مستعدة للفكر الشيعي الثوري ، والحروب والفقر والاستبداد هي عوامل تغذي روح الثورة ، اضف الى ذلك عامل الاجواء التي وفرها نشاط الامام الباقر (عليه السلام) في المناطق القريب والنائية، ان الاستراتيجية العامة للامامة هي النهوض بثورة توحيدية علوية ، وتتطلب هذه النهضة توافر شرطين :الاول: ايجاد مجموعة تحمل فكر الامامة وتهضمه وتتطلع بشوق الى تطبيقه .الثاني : ايجاد مجموعة منظمة مجاهدة مضحية.وهذه المتطلبات تسلتزم بدورها نشر الدعوة في جميع ارجاء العالم ، واعداد الارضية النفسية لتقبل الفكر الاسلامي الثائر في جميع الاقطار وتسلتزم ايضا دعوة اخرى لإعداد افراد مضحين متفانين يشكلون التنظيم السري للدعوة ، وهذا هو سر صعوبة الدعوة على طريق الامامة الحقة ، فالدعوة الرسالية التي تستهدف القضاء على الطاغوت وعلى الترعن والتجبر والعدوان والظلم في المجتمع وتلتزم بالمعايير الاسلامية لا بد ان تستند الى ارادة الجماهير وقوتها وايمانها ونضجها خلافا لتلك الدعوات التي ترفع شعار محاربة الطغاة وهي تمارس في الوقت نفسه اعمال الطغاة والظلمة في حركتها.
https://telegram.me/buratha