حسن الهاشمي
إن الإرهابيين ومن ضمن الأجندة التي يعملون بها يريدون الانتقام من الشعب العراقي الذي أرسى دعائم العملية الديمقراطية من خلال مشاركته الواسعة في ملحمة الثورة البنفسجية التي حصلت في السابع من آذار الماضي، وبالتالي فهم يريدون من هذا الشعب أن يدفع ضريبة جسيمة وباهظة على مشاركته في العملية الانتخابية وإنجاحه للعملية الديمقراطية التي يتطلع إليها بعد سنين طويلة من الظلم والاستبداد.ولا غرابة عندما نتملى تلك الأجساد النتنة التي تفجّر أطفالنا ونساءنا وشيوخنا في الأسواق والشوارع بل حتى في البيوت الآمنة وتفتت أشلاءهم وذرا وذرا لا لذنب اقترفوه إلا أنهم أرادوا العيش بسلام وحرية وكرامة من دون وصاية من ديكتاتور أو حزب واحد أو دولة يحكمها نظام شمولي، بيد أن المعادلة الإقليمية تنغص على الشعب العراقي شربه للماء الزلال وتأبى أن يشربه سلسبيلا إلا أن تلوثه بقاذوراتها، وتعمل جاهدة لكي تحوّل ذلك الماء إلى قراح وذلك الخبز إلى فتات مثلما عملت لشعوبهم، وتعمد أن يكون شربه وأكله ملوث عادة برائحة البارود وملطخ بلون الدم...يا حسرة على الأعراب لا يتركوننا وشأننا، بل أنهم في كل غدر يهيمون وفي كل إثم يشتركون وفي كل عدوان يتآمرون، يا لهم من أنظمة وكأنها تتلذذ بقتل العراقيين وتقطيع أوصالهم وتفتيت عضدهم وتبديد ثرواتهم وتخريب بناهم التحتية، يعملون كل ذلك بسبب اختيار الشعب طريق الحرية والتداول السلمي للسلطة بواسطة المشاركة الفاعلة في الانتخابات، وتأسيس تجربة رائدة في المنطقة برمتها مفادها أن الحاكم هو من ينتخبه الشعب والحكم ما ترضاه الأمة وأنه يرفض الانقلابات العسكرية والتوريث في الحكم والتحكم بالرقاب بالحديد والنار، هذه الأساليب قد سأمناها ولفضناها وهي التي جرت على بلداننا وشعوبنا الويلات والدمار طيلة قرون متمادية من الزمن الغابر.نريدها ديمقراطية ويريدونها ديكتاتورية، نريدها تداول سلمي للسلطة عن طريق الانتخابات وما تقرره صناديق الاقتراع، ويريدونها وراثية جمهورية أو ملكية أو أميرية يتوارث الإبن السلطة بعد وفاة أبيه، فالحكم متاح لكل من فيه النزاهة والكفاءة ويتجدد كل أربع سنوات في النظام الديمقراطي بينما في النظام الاستبدادي فالحكم ورث لأبن الزعيم الأوحد أو محصور في العائلة المالكة أو الحزب الحاكم، ولا يتغير الرئيس والملك والأمير فيها حتى يشيب الغراب!!!. حلاوة الحكم عند المستبدين هي التي جعلتهم وتجعلهم يتدخلون في الشأن العراقي وينكدون عليه اختياره الجديد، والذي نغص بدوره عليهم معيشتهم وقلب الطاولة على رؤوسهم عندما خط بأنامله البنفسجية بأن الحياة الحرة الكريمة أغلى شيء في الوجود، فأخذوا يتخبطون في إرهابهم وفتاويهم التكفيرية الطائفية، فقاموا بقتل أطفالنا لكي يعيش أطفالهم، وقتل نساؤنا لكي تتلذذ نساؤهم، وتقطيع أشلاء رجالنا لكي تنجوا رجالهم من غضب شعوبهم الذين يتطلعون إلى ما تطلع إليه العراقيون من حياة واعدة في ظل نظام ديمقراطي تعددي يضمن حقوق الجميع ويوزع الثروات بشكل عادل على جميع مكونات الشعب دونما محسوبية أو جهوية أو طائفية.بناء دولة المؤسسات والتوزيع العادل للثروة والسلطة، والقضاء على المحسوبيات والواسطات والوجاهات، وتطلّع الشعب العراقي إلى تحقيق الأمن والاستقرار، والحفاظ على وحدته الوطنية وأمله في تحسين الخدمات وتوفيرها بأسرع وقت .. كل هذه الأمور تحتّم على جميع الكتل السياسية الأساسية التي فازت بالانتخابات ونالت ثقة المواطنين أن تبدأ الحوارات الجادّة والتفاهمات فيما بينها وتغلِّب المصالح العامة لهذا البلد على المصالح الضيّقة، من اجل الإسراع بتشكيل حكومة قوية كفوءة قادرة على بسط الأمن والاستقرار وتوفير الخدمات المطلوبة لأبناء الشعب العراقي.الكيانات السياسية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بوحدة الموقف وتماسك الجبهة الداخلية للوقوف أمام الأطماع الخارجية، الأحزاب والتوجهات والتيارات الشعبية مطالبة بقوة أن تلتف حول من أوصلهم إلى قبة البرلمان، وتشكيل حكومة قوية وبرلمان فاعل لكي يعكسوا بذلك إرادة الجماهير في التغيير، ويذروا جميع المؤامرات وراء ظهورهم بتكاتفهم ووحدتهم وتقديمهم المصالح العليا للشعب على مصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية، بهذا فهم يجعلون نقش الأعداء في الماء لا أثر له في تفتيت الصفوف وتقطيع الأوصال وتهشيم الآمال، وبهذا يوفون بالعهد ويوثقون الصلات بأولياء نعمتهم الذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان وأروقة الحكومة.العراق يبقى غاليا عزيزا أغلى وأعز من جميع الزيارات والتحركات التي تجريها بعض الأحزاب والكيانات لدول الجوار إلا إذا كانت مبنية على أساس الاستقلال وإقامة علاقات متكافئة متوازنة مستندة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والعراق دولة غنية ومسؤوليه الكبار يتقاضون أعلى المرتبات في العالم، ولعل هذه الأمور تسهل الخطب الذي قد ينزلق به بعض ضعاف النفوس ولو من باب "احتج إلى من شئت تكن أسيره" فهي بلا شك عند الأكثر احتياج شهرة وبروتوكول وليس احتياج مادة كما أسلفنا، ويا حبذا من يفكر بالشهرة أن لا ينكفأ عن إرادة الشعوب، فهي أقوى وأصلب من إرادة الأنظمة الديكتاتورية الكارتونية.
https://telegram.me/buratha