قاسم العجرش
في غياب الديمقراطية الحقيقية، دعونا نكتفي بالحديث عن "ديمقراطية لقمة العيش".. توصيفة جديدة اخترعها البؤساء في الآونة الأخيرة خارج الأطر التنظيرية لقادة الكتل السياسية. tهناك مؤامرة خطيرة تحاك على الوعي العام والضمير الجمعي لهذا الشعب، لعل من أبرز معالمها القول إننا شعب من فصيلة أخرى.. لا نصلح للديمقراطية ولا تصلح لنا لانعدام شروط تكافؤ الفرص في عقد المواطنة، ولذلك، فلقد قرر البعض تحويلنا من سلالة البشر إلى سلالة.. البقر.
إنها ديمقراطية تتعنى فقط أيها السادة بالشؤون الداخلية للمعدة والأمعاء الغليظة، مطالب تتعلق تحديدا بشؤون السيدة "خبزة" المحترمة.. مع الإحتفاظ طبعا بحق تسمية أصحابها بعدم تسميتهم بأنهم "خبزيون".. أما مطالب الحريات الفردية والجماعية.. المطالب الإنسانية التي تجعل من الإنسان إنسانا حقيقة وليس مجرد بطون تتحرك، فتلك قضية أخرى. هذه ديمقراطية لقمة العيش التي تحدث عنها الخطاب الرسمي دائما وبإسهاب، باعتبارها تشكل أولوية محلية وخصوصية وطنية لا دخل لأمريكا فيها، إنها اليوم على ألسنة الجميع، الأطباء والأساتذة وعمال البلديات وأصحاب الجنابروغيرهم... الكل يلهج باسمها، بينما لا صوت في المقابل يخرج بين هذه الأكوام والبطون، ليطالب بحق في ثروتنا الوطنية التي صادرتها الدولة لحساب بناء نظام سياسي فيه طبقة تتنعم بمميزات إجتماعية فريدة والباقين لهم الجوع. وربما هذا هو المطلوب من قرار وزارة التجارة بتقليص مفردات الحصة التموينية الى خمسة مفردات، فبعد أن قلصتها "فعلا" وبنجاح ساحق خلال الأعوام السابقة الى هذه الخمسة مفردات التي تأتي ولا تأتي، أعلنت قبل أيام رسميا عن هذا التقليص،وشيعتها الى مثولها الأخير، لقد كانت الوزارة تحقننا بالمورفين خلال السنوات المنصرمة بوعود عن خبز على حساب الحكومة وسكر ورز ومعجون طماطم وزيوت وبقوليات ولحوم وأسماك ودجاج وأجبان وشاي و(نومي بصرة) أيضا، وكانت تقول أن المال موجود وأن موظفيها يجوبون العالم بحثا عن باعة موردين لنوعيات ممتازة تطابق أفضل المواصفات العالمية، وفعلا كانوا يجوبون العالم، ولكن للترفيه والسياحة على حساب المنتظرين،وكنا ننتظر الوعد الصادق، لكن التجارة وبالأحرى الحكومة حسمت أمرها و أصدرت قرارها بالتقليص الى خمس مفردات، مما يعني بالحقيقة ألغاءا تاما البطاقة التموينية إستنادا لتجربتنا السابقة خلال السنوات الماضية، وبحكم التدليس الذي أصبح من صميم مهام الحكومة..
لقد كانت وزارة التجارة خلال السنوات الماضية تصنع للسلحفاة أجنحة ومع ذلك، مع كل هذا الانحدار والتردي، وكل هذه "البهيمية السياسية" التي نجح الساسة العراقيين في تكريسها وتسويقها، إلا أنهم مع ذلك يحاولون إقناعنا بأنهم يصنعون أجنحة للسلحفاة، وينتظرونها أن تطير. وأجبروا قسما منا على الأعتقاد أن السلحفاة تطير فعلا، وأن المشكلة ليست في الأجنحة الاصطناعية التي تم تركيبها على رغم الطبيعة، وإنما المشكلة في عيوننا التي لا ترى جيدا.
هذه مهمة استثنائية للدولة نفذتها وزارة التجارة بمهارة فائقة، وهي التي تتعامل مع مواطنيها على أنهم أرقام تعجننا كل يوم مثل الشطائر، وبعد ذلك ربما يأتي التاريخ والانتماء والمبادئ. ولذلك، إن مهزلة محاولة صنع أجنحة للسلحفاة تتواصل اليوم بأسوإ ما يمكن للعقل أن يتحمله، وفوق ذلك، يراد لنا باسم حرية التعبير وحرية التظاهر التي يكفلها الدستور نظريا أن نصدق أن العراق يمكن أن ينهض اقتصاديا وتنمويا وعلميا وتكنولوجيا يوما ما.هل يمكن للدول أن تتطور أو تُحدث إقلاعا ما والمواطن فيها أرخص من حذاء وزير ؟ هل يمكن بناء وطن ناسه لا يتمتعون بحقهم بثروتهم يأكلون منها بالتأكيد مستحيل، ومع ذلك، فالسلحفاة تطير.. البسوا النظارات.
https://telegram.me/buratha