حسن الهاشمي
إن من أبرز صفات الدولة الديمقراطية هي فصل السلطات الثلاث بعضها عن البعض الآخر، فالسلطة التشريعية هي التي تقر القوانين وتراقب عمل الحكومة، والتنفيذية تطبق ما يصدر من التشريعية، والقضائية لحل النزاع الذي قد يحدث بين السلطتين فيما يتعلق بتطبيق القوانين وكذلك بين المواطنين، وتبقى الوزارة الناجحة هي تلك الوزارة التي تتصف بصفات تؤهلها القيام بأعمالها خير قيام ليس بأقلها الانسجام ووحدة الرأي والموقف والعزم على تقديم الخدمة والعون للمواطن وذلك بالذود عن المكتسبات في النظام الديمقراطي، وبدون هذه المرتكزات لا يمكن القيام بأي نوع من أنواع الخدمة وتوفير الأمن والرفاه، لعله لا يبدو توفيرهما صعبا في بلد كالعراق حيث يحمل كل مقومات النهوض، وأن رجالاته بحاجة إلى قليل من الإرادة والتحلي بالمسؤولية والتخلي في بعض المواطن عن الذات والأنا خدمة للصالح العام والوطن الغالي، وربما يهون كل شيء لأجل المواطن والوطن والاستماتة في الدفاع عنهما، ولكي تتضح الحالة أكثر لابد من معرفة حدود عمل الوزارة ومعناها اللغوي والاصطلاحي وأهم الأعمال المناطة بها وأبرز الوظائف الملقاة على عاتقها لكي نلاحظ أين نقف نحن من الوزارة المثالية في النظام الديمقراطي؟!فإن أهم وأعلى مراتب السلطة التنفيذية في واقعنا المعاصر هي الوزارة وحال الوزير ومنصبه، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل يراد به رجل الدولة الذي يختاره رئيس الحكومة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة، أو مختصا بجانب منها، كوزير العدل ووزير المالية وهكذا، وربما يشتق اسمها من ثلاثة أوجه:أحدها: الوزر - بكسر الواو وسكون الزاي - وهو الثقل، ويطلق في الغالب على المعنوي منه كقوله تعالى: ليحملوا أوزارهم يوم القيامة. (النحل 25)، وقوله سبحانه: ووضعنا عنك وزرك. (الانشراح 3)، ويراد بالأول الذنوب، والآثام سميت أوزارا لأنها تثقل كاسبها وحاملها هما وأثرا وعقابا، وبالثاني غمه (ص) لما كان عليه قومه من الشرك والجاهلية.ثانيها: الوزر وهو - بفتحهما - الملجأ، ومنه قوله تعالى: كلا لا وزر. (القيامة 11)، أي لا ملجأ، فسمي بذلك لأن الملك يلجأ إلى الوزير في الرأي والتدبير.ثالثها: الأزر وهو الظهر والقوة، ومنه قوله تعالى:اشدد به أزري.(طه 31)، أي أشدد به ظهري وقوتي، يقال: وازرته موازرة أي أعنته وقويته، ومنه سمي الوزير وزيرا، لأن الحاكم يقوى بوزيره، وهو كالظهر له يعتمد عليه، ويركن إليه، ولا يمتنع اجتماع المعاني الثلاثة في الوزارة بالمعنى المصطلح، بداهة أن الوزراء هم عماد السلطة والحكومة، فهم يتحملون أعباء السلطة ومسؤوليتها، كما أنهم ملجأ السلطان والناس معا في تدبير الأمور ورفع المشكلات ونيل الحقوق، كما أنهم قوة الحاكم وظهره الذي يستند إليه، ويظهر به في الملأ، فإن كانوا حكماء علماء خبراء أفاضل انعكس ذلك على سلطته، فاتسمت بالقوة والمنعة وحسن التدبير، وإن كانوا على خلاف ذلك اتسمت الدولة بالضعف والخور والفساد.ولعل من أبرز وظائف الوزارة ثلاثة أمور:الأول: النظم وتدبير الأمور، بداهة أن القانون مهما كان صالحا راقيا فهو بنفسه لا يكفي في إصلاح شؤون المجتمع ورفع حاجاته العامة ما لم يطبق على أرض الواقع ويتم فيه إصلاح أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكل ما يتعلق بنظم الحياة وانسيابية تقنين القوانين، فإن التنفيذ مكمل للتشريع، بل لولا التنفيذ كان تشريع القانون لغويا.الثاني: العدل والإنصاف، ويتجسدان في حفظ الحقوق ونشر المعروف وقطع دابر المنكر والعدوان والفساد، وإيصال كل ذي حق لحقه.الثالث: الإصلاح الاجتماعي، تكون الوظيفة العمومية وما يترتب عليها من الحبس والتأديب والقصاص وما شابه ذلك رهينة بوجود سلطة تنفيذية يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين اللذين فيهما صلاح عامة الناس واستقامة أمورهم.بعد الذي عرفنا يراد بالسلطة التنفيذية القوة التي تملك حق تطبيق القوانين الصادرة من السلطة التشريعية وتلزم الناس بها، كما يجب على الناس إطاعتها والالتزام بمقرراتها، وتشمل سلسلة المراتب الإدارية التي تشكل الحكومة بمختلف أصنافها ومهامها، ابتداء من الرئيس في النظام الرئاسي، ورئيس الوزراء في النظام الوزاري، ثم الوزراء ثم المدراء العامين، وهكذا حتى تصل السلسلة إلى آخر موظف حكومي ملزم بتطبيق القرارات التي تصدرها الدولة المنتخبة من قبل الأمة.وأما أعمال السلطة التنفيذية فهي المتعلقة بتحقيق الاستقرار الداخلي والدفاع والعلاقات مع الدول الأخرى، وتنظيم اقتصاد البلد، وتقديم الخدمات للمواطنين، وتنشيط الاقتصاد والسوق، ومع تعقيدات الحياة الاقتصادية والسياسية فقد تميزت السلطة التنفيذية على حساب السلطات التشريعية، ولذا يلاحظ من حين إلى آخر محاولات من السلطات التشريعية بوجه خاص لتأكيد وجودها ووظيفتها بطرق شتى، والتي منها حجب الاعتمادات المالية عن مشاريع وخطط حكومية، كما تزداد السلطة التنفيذية اتساعا ونفوذا في البلدان التي تحكمها أنظمة مستبدة بخلافها في الأنظمة الاستشارية.وبعد الإجابة عن التساؤلات التي أثيرت في أول المقال، اتضح أن الوزارة الناجحة هي التي يتصدى لها وزراء ناجحون أكفاء مخلصون للوطن والمواطن حيث لا يقوم بالمهام الصعاب إلا رجال تمرسوا العمل بساحات رخوة وحولوها بعقولهم وتدبيرهم وسياساتهم إلى ساحات صلبة ينطلقون منها للإبداع والتطوير والخدمة، ولا يتوهم أن العراق وبتحوله المفاجئ من الديكتاتورية المطلقة والمركزية المجحفة إلى الديمقراطية المطلقة والتحررية المنفلتة باستطاعته أن يمر من هذه المخمصة بسهل ويسر، بل إن هذه الأجواء الصاخبة هي التي ساهمت إضافة إلى التدخلات الخارجية باستغلال ضعاف النفوس وشذاذ الآفاق لإعمال أجندات ترضي هذه الدولة الإقليمية أو تلك قد ساهمت بشكل أو بآخر بالضبابية التي نراها تخيم حول تجربتنا الديمقراطية الفتية، ولكن إرادة الساسة وانتماءهم الوطني وحبهم لذلك الشعب الذي ينتمون إليه والذي لاقى الأمرين وضاق ذرعا لما أصابه من حيف وظلم ودمار من منظمات إرهابية ومجاميع طائفية لا تريد بالعراق وأهله إلا الشر والتخلف، تلك الإرادة وذلك الانتماء هو الذي يدفعهم بالعمل الحثيث والجاد في سبيل تشكيل وزارة منسجمة مع تطلعات شعب ممتحن صبور في أرض غنية معطاءة، ولكنها تنتظر سواعد قوية وإرادات صلبة للبناء والعطاء والتقدم
https://telegram.me/buratha