ياسر الحراق الحسني*
لقد كان للحركة الوهابية تأثير كبير على العالم الإسلامي من حيث معالمها الفكرية و الآثار المترتبة عن هذه المعالم. ولعل أبرز ما أتت به هذه الحركة هو ثقافة التكفير و الإرهاب الفكري. أما الآثار المترتبة عن ذلك فقد صارت من الواضحات. إذ لا يوجد من لا يعرف تدمير حركة طالبان الوهابية -التي لم يعترف بها في العالم سوى السعودية وباكستان والإمارات- للآثار و حرقها للأرض ومن عليها من المخالفين. ولا يوجد من لا يعرف أن الوهابيين هم من دمروا آثار المدينة المنورة وغيرها وأفتوا بكفر أهل التصوف والتشيع وغيرهم من المسلمين. ولو لم يكن هناك دعم من الدولار البترولي لهذه الحركة المتطرفة لما كانت لها باقية. لكننا اليوم يمكن لنا القول أن ظهور منظمة دولية لملاحقة علماء الوهابية التكفيريين في جميع أنحاء العالم سوف يغير الكثير بالنسبة لهذه الحركة و تأثيرها في العالم. في هذا المقال تعريف بهذه المنظمة و انعكاسات تفعيلها على الحركة الوهابية.
المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني
إن الشعب المسلم الأكثر معاناة من فتاوي التكفير الوهابي في السنوات الأخيرة هو الشعب العراقي الشقيق. ولعل الكثير من مهاجري العراق تأذى من الوهابيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا قد يفسر لنا قيام عراقيين في ألمانيا بقيادة الناشط علي الساري بحملة ناجحة في العام الماضي ضد رجل الدين السعودي عبد الله بن جبرين الذي كان يسعى للعلاج في ألمانيا1 . و هذه الجهود ومثلها توجت بأسيس منظمة دولية جديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني. وتعد المنظمة الأولى من نوعها في مجال ملاحقة مروجي التطرف الديني مع وضع الحركة الوهابية ضمن أولوياتها. وقد سجلت رسمياً لدى السلطات الالمانية ومقرها الرئيسي في برلين، لتكون أحد المواقع المتقدمة والفعالة في التصدي للإرهاب ومن يقف ورائه.
أهداف المنظمة
بحسب بيان لرئيس المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني علي الساري فأن أهداف المنظم تكمن في2: أ- مكافحة الإرهاب وملاحقة علماء التكفير ومن يحرض على قتل الآخرين وسفك دمائهمب- متابعة التحقيقات التي تخص إنتهاكات حقوق الانسان وعرضها بشكل دوري على المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة الصليب الاحمر الدولي ومنظمة مناهضة التعذيب والوكالة السامية لغوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة وكذلك جمعية الهلال الاحمرت- إتخاذ الإجراءات اللازمة من قبيل القيام بإعتصامات ومظاهرات لحماية حقوق الانسانث- دعم واسناد عمل المدافعين عن حقوق الانسان والمنظمات الغير حكومية من أجل حماية حقوق الانسانج- دعم اللاجئين والمعتلقين السياسيين و جميع ضحايا الارهاب وحقوق الانسان وأقاربهمح- إعداد ونشر الدراسات التي من شأنها تعزيز جميع حقوق الإنسان ، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسانخ- محاربة الإرهاب ومن ينادي به ويشجع عليه وتلاحقه قانونياً وتتشرف بالعمل سوية ّ مع جميع المنظمات التي تحمل نفس المفاهيم والفكر والمضمون في محاربتها للإرهاب وبجميع أنواعه واشكاله
دائرة العمل لدى المنظمة
بحسب نفس البيان المشار إليه فإن جغرافية العضوية في المنظمة لا تقتصر على قطر محدد، فأعضاء المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني منتشرون في العواصم الاروبية و أمريكا والعراق.وهم من جميع الاختصاصات، فمنهم برلمانيون وأطباء ومحامون وخبراء في القانون الدولي ونشطاء على المستوى الدولي وخاصة في الامم المتحدة وكذلك إعلاميون وسياسيون. وهذا يجعل المنظمة قادرة على تحديد الأهداف و تفعيل المتابعات القانونية في نطاق أوسع وعلى مستويات عدة.
ماذا يعني هذا بالنسبة للحركة الوهابية
تعد الحملة المذكورة الناجحة في ألمانيا العام الماضي ضد إبن جبرين و هو أحد كبار علماء الوهابية سابقة قانونية مهمة. هذا علماً أن التحرك ضده لم يكن من خلال قنوات تعمل في الإطار التنظيمي الدولي. فكيف ياترى يكون إذاً نتاج المتابعة لمثله من خلال قنوات دولية معترف بها تتم فيها الملاحقة دولياً! إن الطريق الآن أصبح مسدوداً أمام دعاة التكفير لأنهم صاروا هدفاً مشروعاً للمنظمة. والمثال على ذلك سابقة ملاحقة "إمام" الحرم المكي الذي أفتى بكفر المسلمين الشيعة 3 بتهمة التحريض على الكراهية 4 قبل تأسيس المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني. هذا الأمر في حد ذاته يجعل التكفير جريمة لما يترتب عنه من أحكام إباحة سفك الدماء. كما أن الحكومات التي تعين أمثال هؤلاء وترخص لهم سوف يتم تنظيم إعتصامات وتظاهرات ضدها في العواصم الغربية بحسب البيان. وهذا ما سوف يحرج الكثير من الحكومات المتساهلة مع رموز الحركة الوهابية. و إعتصامات كهذه يمكن ان تترتب عنها آثار إقتصادية وسياسية مهمة. هذا إن لم تؤدي في ملاحقات قانونية ضد مسؤولين في الحكومات التي تتساهل مع الحركة الوهابية. و في المغرب عندنا الشيخ المغراوي التكفيري مثالاً، فقد كفر المسلمين الشيعة والصوفية و فسق أجداد المغاربة الحسنيين 5، لذا لا يستبعد أن تقوم الجالية المغربية في بلجيكا مثلاً أو في أمريكا بملاحقته على هذه الاراضي بتهمة التحريض على الكراهية. و ما متابعته لإلقاء مجالس التكفير على الإنترنت بعد إغلاق دوره المتسترة في تعليم القرآن إلا مساعدة لمن يريد متابعته مستقبلاً بجمع الوثائق والشهادات ضده.
إنه بات من الضروري من الناحية الإنسانية التحرك لمناهضة الإرهاب الفكري و المادي من أجل غد مشرق بأنوار التعايش والتسامح. فإذا كان البعض منا محظوظ للتواجد في قطر لا يعبث في الإرهابيون فساداً فعلى هذا البعض العمل على مواجهة الإمتداد التكفيري لكي ينعم ابناؤه بالسلم والأمان. فالمنظمات الدولية ذات الطابع الإنساني ليست لها قنوات فضائية تبث رسالة التسامح إلى البيوت عبر برامج ومسلسلات وندوات ، ولكن في الطرف المقابل الحركات التكفيرية كالوهابية لها قنوات تبث التكفير عبر مسلسل هنا وبرنامج هناك، عبر ندوات قرآنية بالإدعاء و تكفيرية بواقع الحال، وإيضاً عبر كتيبات وكراسات و حتى أشرطة يمكن الحصول عليها في المساجد السعودية بالبلاد العربية. حتى الحاج إلى بيت الله الحرام في هذه الأيام أصبح يعود لبلده وبيده كراسات الإرهاب الفكري والتكفير. ولهذا فأن المجهود الفردي في هذا المجال إذا أضيف إليه مجهود المنظمات ذات الصلة فسوف نتحرك جميعاً نحو الأحسن.
*باحث مغربي في العلوم الدينية والسياسية yasserhshassani@gmail.com_____________________
1. العالم، الأحد 25/04/2010
2. صحيفة العراق السياسي الجمعة 23 نيسان 2010 بيان علي الساري رئيس المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني ومسؤول لجان إنتفاضة المهجر في أوربا ضد الارهاب3. مجلس الثقافة والإعلام الإسلامي لندن ـ المملكة المتحدة في 16 جمادى الأولى 1430 هـ الموافق 12 مايو 2009 م
4. المصدر 1 5. راجع تقديم كتاب " تنبيه القاري" من طرف الشيخ المغراوي، مراكش 1996
https://telegram.me/buratha