ميثم الثوري
الشراكة الوطنية لم يكن مفهوماً فرضته التحولات الجديدة في العراق بعد التاسع من نيسان 2003 ولم يكن مفهوماً حديث الظهور في العراق الجديد اقتضته التدافعات الطائفية والتجاذبات المذهبية في بلد يتنوع بنسيجه الاجتماعي والديني والقومي والمذهبي.هذا المفهوم (الشراكة الوطنية) استشرفه اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب (قدس) قبل ثلاثة عقود في زمن المعارضة وكرسه في أدبيات وثقافة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي منذ نشأته في مطلع الثمانيات من القرن الماضي.ولم يأت هذا المفهوم كضرورة تكتيكية لطمأنة المكونات العراقية التي كانت تتوجس خيفة من التغيير في العراق وما كرسه النظام السابق كإيحاءات واشارات للعراقيين من جهة ولدول الجوار الاقليمي من جهة اخرى لكي تكون القناعة الاقليمية العربية الرسمية بان صدام ضعيف افضل من بديل نجهله.وكانت ضريبة هذه المواقف مركبة دفعت فواتيرها قيادات المجلس الاعلى وتحملت الاتهامات الظالمة والباطلة بسبب طرحها مفهوم الشراكة الوطنية وخاصة اتهامات القوى المتطرفة والجاهلة التي لا تعي طبيعة الواقع العراقي والمتوقع القادم.وربما واحدة من اسباب اجهاض الانتفاضة الشعبانية وفشلها في تحقيق اهدافها النهائية كانت الهواجس العربية الرسمية من التغيير والبديل القادم الذي بدت أشباحه وملامحه ترعب الجوار الاقليمي العربي وهو ما دعا اكبر الدول العربية نفوذاً وتأثيراً وثقلاً من الاصرار على رفع الحظر الجوي على طائرات النظام السابق ليتسنى له سحق الانتفاضة.وواحدة من الاعيب النظام السابق التي عمقت المخاوف العربية من البديل المعارض القادم هو ما قامت به سفارات النظام في الخارج بتوزيع قوائم لقتلى من الضباط العراقيين (السنة) الذي قتلوا في حرب تحرير دولة الكويت سنة 1991 والزعم بانهم قتلوا بالانتفاضة على ايدي الثوار (الشيعة).وكان شهيد المحراب يدرك خطورة هذه الايحاءات التي كان يراهن عليها نظام صدام المقبور وتكريس المخاوف في الذاكرة العربية الرسمية من جهة وتعميق الهواجس لدى السنة العراقيين من جهة ثانية.وقد يتصور بعض المراقبين والمتابعين للشأن العراقي بان ما طرحه شهيد المحراب من مفهوم الشراكة الوطنية قد يكون لظرف خاص من اجل تبديد المخاوف لدى السنة العرب في العراق والعرب السنة الرسميين وقد يتوهمون بان سقوط النظام الصدامي قد يهز مصداقية الشراكة الوطنية ويضعها على المحك خاصة بعد زوال النظام واحتمال ان يبدأ عنف مماثل وانتقام متقابل تمارسه الاغلبية المسحوقة ضد الاقلية الحاكمة.وفور سقوط النظام الصدامي كثف شهيد المحراب من ترديد مفهوم الشراكة الوطنية حتى اصبح جزءاً من ثقافة وثوابت المجلس الاعلى الاسلامي العراقي سواء في فترة مجلس الحكم او في الحكومة المؤقتة او الانتقالية او الدائمة.واصر المجلس الاعلى الاسلامي العراقي على تفعيل مفهوم الشراكة الوطنية وحرص على اشراك جميع مكونات الشعب العراقي حتى من لم يستطع ان يشارك في الانتخابات الماضية بقوة ويحصل على الاستحقاق الانتخابي الذي يؤهله للدخول في الحكومة، وهو ما ميز قيادات المجلس الاعلى الاسلامي العراقي واضفى على ادائهم المصداقية والمقبولية من جميع الاطراف السياسية التي باتت تحترم وعود والتزامات المجلس الاعلى وتطمئن الى ما يلزم به نفسه.ووقف عزيز العراق الراحل السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) بوجه من يحاول تهميش او اقصاء المكونات العراقية بحجة الاستحقاق الانتخابي وكان يلتمس لهذه المكونات الاعذار لكي يشاركه في الحكم والقرار مؤكداً وباستمرار ان العراق لا يمكن ان يدار بطائفة واحدة او جهة معينة او فئة محددة بل يدار من جميع ابنائه.ورحيل شهيد المحراب وعزيز العراق لم ينه الشراكة الوطنية ثقافة وممارسة بل تكرست بشكل اكثر واقعية في قيادة سماحة السيد عمار الحكيم الذي وقف بقوة امام محاولات تهميش بقية المكونات بعناوين الاغلبية السياسية والاستحقاق الانتخابي الانتقائي بل وواجه محاولات الاخرين الذين حاولوا زرع المخاوف في نفوس العراقيين من بقية القوائم ذات التوجه السني مستخدماً سياسة الصدمة لكي ينبه اولئك المتمادين بنشوة الالغاء والاقصاء وليعطي رسالة معبرة ومؤثرة لابناء ذلك المكون المهم رغم انفعال وارتجال البعض ممن قاده الحماس للاستحواذ والهيمنة وتغييب الاخرين.
https://telegram.me/buratha