لم يكن للامريكان اي مبرر لاسقاط النظام البعثي المطيع بعد الانسحاب من حرب الكويت المفتعلة حيث لم ينجح الجانب الكويتي و الخليجي و لا الصدامي بتقديم حجة مقنعة لتبرير الخلاف الذي حصل بينهما و التي كان هدفها الاساسي و الحقيقي هو شق الصف العربي و حرمان المقاومة الفلسطينية من عمقها الجغرافي و الاقتصادي في دول الخليج و تبديد قلق المجتمع الاسرائيلي من الخطر الفلسطيني المتعاظم و تمهيد الطريق للترحيب الفلسطيني بقرارات اوسلو لتنتقل اسرائيل من حالة الدفاع الى حالة الهجوم و لتصبح قررات اوسلو حلما بعيد المنال. و هي المهمة التي انجزها صدام بنجاح نيابة عن اسرائيل كما ناب عن امريكا في حربه على ايران ، لولا اندلاع الانتفاضة الشعبانية التي بشرت بدخول الشعب العراقي كلاعب جديد على الساحة السياسية و المحلية و الاقليمية و العالمية مما حدا بالامريكان الى اعادة حساباتهم و اتخاذ الاسعافات الاولية لانقاذ النظام البعثي الموشك على الانهيار .جاء رد الفعل الامريكي الاول عبر اذاعة صوت امريكا بوصم الانتفاضة بصفة طائفية عنصرية لتكون حسب الوصف الامريكي شيعية في الجنوب ، كردية في الشمال و بذلك تفقد الانتفاضة صفتها الشعبية و حقها في رفض السلوك الاجرامي للحاكم المستبد مما اعطى صدام المبرر الكافي والضوء الأخضر لقمعها باقصى درجات الوحشية بعيدا عن اى تغطية اعلامية ان لم يكن تعتيم امريكي مقصود . اعقب ذلك تنفيذ المؤامرة البعثية الاخطر في فصل طائفي صامت مدروس بعناية فائقة ، بدا بتغلغل البعث الصدامي الى كل مفاصل المجتمع السني في المحافظات البيضاء التي لم تشارك بالانتفاضة بزرع العناصر المخابراتية عن طريق الاغراءات المادية في مواقع قيادية للتنظيمات الدينية و الاجتماعية صاحب ذلك تصفية مبالغ في قسوتها لكل من يعارض او ينافس هذه العناصر البعثية المفروضة ليكون عبرة للاخرين و لتقع الطائفة السنية المنكوبة في اسر البعث المجرم . لتنطلق تلك العناصر من هذه المواقع القيادية المؤثرة بتعميم الافكار البعثية الشوفينية العنصرية المسمومة في تلك التنظيمات عن تفوق السنة العرب الاصلاء الاذكياء الاسياد و دونية الشيعة الدخلاء الاغبياء المسكونين بروح الذل و التبعية الباحثين عن اسياد عبر الحدود و الخوف كل الخوف من هذه الروح الذليلة التي ستسلم العراق على طبق من ذهب الى اسيادهم الفرس ( كما تعبر عنها مخاوف الرفيقة ميسون الدملوجي من بلع ايران للعراق في حال انسحاب الامريكان و ترك العراق في ايد شيعية ، في معرض ردها على الدكتور وائل عبد اللطيف في برنامج مدار الفيحاء ) ثم تسعى تلك العناصر البعثية من خلال تلك التنظيمات الى نشر و تسويق الافكار البعثية على عموم الطائفة و التي نسمعها اليوم على لسان غالبية ابناء السنة لتصل الحالة الى ما يشبه الاندماج بين المفردتين البعث و السنة و هذا ما خطط له الجرذ الشهيد الملتحي للاحتماء بالطائفة بعد ان رفضه الشعب العراقي . ان التعمية الصدامية المدعومة امريكيا و التي بالغت بالاستخفاف بالعقل العراقي تريد اقناع العراقيين بان ايران المتخلفة قادرة على ابتلاع لقمة العراق الكبيرة في الوقت الذي عجز فيه البعث المتخم بالكفاءات النادرة و الواعية مثل الرفيقة الدملوجي و القادة السياسيين و العسكريين الافذاذ عن ابتلاع لقمة الكويت الصغيرة . و اذا كان العقل البعثي يقبل و لا يناقش فكيف نقنع غير البعثيين من اصحاب العقول بان ايران التي ما زالت تعاني الامرين من المشاكل العرقية و في مقدمتها مشكلة القومية العربية قادرة على ابتلاع العراق العربي ما لم نتمكن من اقناعهم بالمستوى المتخلف جدا لعقول شيعة العراق الذي يجعل منهم صيدا سهلا لمن هب و دب . لذا نتوقع ان نظرية البلع الدملوجية سوف لن تجد لها رواجا خارج السوق البعثية الا اذا دعمتها بنظرية عنصرية مقنعة تثبت من خلالها انثروبولوجيا و تشريحيا تخلف العقل الشيعي عن المعدل البشري المقبول و الا فكيف ستقنعنا الرفيقة الدملوجي بالخوف من الثعلب و نحن بين فكي الاسد . ولماذا كتب علينا ان نترك التفكير ببناء مجتمع قوي و نبقى ضعفاء و نوجه طاقاتنا الهائلة للتمييز فقط بين من نكرهه اكثر من الاخر .على الجانب الاخر انفصل الاكراد في الشمال بحماية امريكية و ترك المحافظات السوداء في الجنوب لانتقام الحقد الصدامي يتصرف به حسب ما تتيحه له الظروف و حالته النفسية حيث حرم شبابهم من الدراسة ليحولهم الى باعة متجولين او عمال بناء في قصوره الباذخة مقابل اوراق الطبع النقدية فبدلا من بناء المدارس والكليات لتعليمهم و تطويرهم كانوا يصطفون في المسطر صباحا لتاتي لوريات الحمل و تشحنهم الى مواقع البناء اما من يحاول ان يجرب حظه من هؤلاء التعساء في دولة عربية فانه سيعامل بموجب اتفاقات لتلك الدول مع النظام الصدامي ، يعزز كل هذا اذلال مبرمج في الدوائر العسكرية و الامنية . نتيجة لما اسلفنا اصبحت شرائح واسعة من الشيعة لا تميز بين السلطة و البعثيين و السنة و بذلك يكون الرد الوحيد للدفاع عن النفس هو الاصطفاف الشيعي . لتصبح الساحة مهيأة لدخول الامريكان الى العراق المهيا لعزف لحن الطائفية البعثمريكية و استبدال البعث الصدامي ببعث سجّودي او رغودي يدار من العاصمة الاردنية عمان عبر الوكيل المعتمد صالح المطلك من خلال الاعلان عن سباق ديمقراطي غير متكافيء محسوم النتائج سلفا للاختيار الاقليمي بين البعثيين الكفاءات غير الطائفيين و غير العنصريين و غير الشوفينيين بدليل قبولهم بقائد بعثي شيعي كردي فيلي رغم ان غالبيتهم من السنة العرب و بين الشيعة المتخلفين الذين دخلوا السباق بصفتهم الطائفية المرفوضة اقليميا كطائفة و السبب بسيط جدا و هو ان الاستبداد الصدامي المدعوم امريكيا لم يترك لهم حرية ممارسة اي نشاط سياسي حتى في حزب البعث المقبور . صحيح ان القائمة العراقية التي تجمع البعثيين ليست طائفية لكنها منظمة سرية بعثية لها اذرع في كل انحاء الكرة الارضية و ارتباطات مصيرية بمنظمات شبيهة (مثل مجاهدي خلق و القاعدة ) و لا زالت تعمل بموجب قانون البعث الداخلي الذي ينص على الحكم بالاعدام لمن ينسحب من حزب البعث سابقا او منظمة البعث السرية تحت غطاء القائمة العراقية حاليا و هذا ما يفسر تماسك عناصر هذه القائمة و تجمعهم بعد ان تسللوا عبر صيغ مختلفة و يعزز الشكوك حول المنظمات الدولية و المؤسسات العالمية المرتبطة معها في تزوير الانتخابات . طبعا لم ياتي الاعلان عن السباق الاخير بعد الاحتلال مباشرة وانما جاء ذلك بعد سبع عجاف من اعادة تاهيل البعث بدأت بسن الامريكان لقانون اجتثاث البعث بهدف استثارة رد فعل يفوق الفعل بالاف المرات ليعود البعث وضاء الجبين بعد عمليات تبييض امريكية معقدة لذلك الجبين القذر مرت بمراحل عديدة و معقدة يطول شرحها (بضمنها اعادة تاهيل صدام ذهنيا و نفسيا بخبرات و جهود امريكية خالصه حيث تم تحويله من فار مذعور الى اسد هصور ) . رافق اعادة تاهيل البعث ، شن الهجمات الامريكية المتواصلة اعلاميا و ارهابيا على كل ما سواه مع دعم خليجي غير مسبوق يؤكد ما ذهبنا اليه في تحديد الهدف من حرب الكويت . ان البعث الذي حاول افشال الانتخابات في الامس بحجة الاحتلال ، لن يتوقف عن التامر لتخريب العملية السياسية وهو يلوح اليوم بمفتاح الارهاب الذي اهدته اذاعة صوت امريكا الى المجرم صدام باتهام كل من يرفض التصدر البعثي للعملية السياسية بالطائفية و يهدد بالانسحاب من العملية السياسية برمتها ، وهذا بالضبط ما نتوقعه من هذا الحزب . لذا نلفت انظار قادتنا السياسيين الى التعامل الحذر مع الشعارات و الاتهامات التي دابت عليها عناصر هذه القائمة و التحري عن مقاصدها .نخلص مما سبق الى ان ما يدور على الارض العراقية من جرائم ليس لها سوى عنوان واحد هو امريكا مهما تعددت ادواتها و حاولت تشتيت الانظار عن جرائمها باستخدام مصطلحات الطائفية و العرقية و التهديد الايراني و تدخل دول الجوار الذين لا راي لهم امام ما يراه الامريكان . اذن امريكا هي من انتج مصطلح الطائفية و هي من تستخدمه لدعم ادواتها من بقايا الجهاز المخابراتي البعثي بعد ان اعادوا بناء منظمتهم السرية لاعادتهم الى السلطة و هي من سيعيد انتاج ذلك المصطلح ساعة ترى ذلك لانتاج جيل احدث من اساليب الارهاب في المرحلة الجديدة و لا فائدة من البحث عن مصادر الارهاب بنسخته المحّدثة عند اي جهة اخرى .
https://telegram.me/buratha