حيدر الربيعاوي
مفهوم الدعاء وعلاقته بالعبادة
الدعاء في اللغة :الدعاء: هو أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك .تقول : دعوت فلاناً أدعوه دعاءً ، أي ناديته وطلبت إقباله ، وأصله دُعاوٌ ، إلاّ أنّ الواو لمّا جاءت بعد الاَلف هُمزت .وللدعاء في الكتاب الكريم وجوه عدّة ، كلّها تدور حول المعنى اللغوي المتقدم ، نذكر منها 1 ـ النداء ، يقال : دعوت فلاناً ، أي ناديته وصحت به ، قال تعالى : (فَقُل تعالوا ندعُ أبنَاءَنا وأبنَاءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسنَا وأنفُسَكُم ) أي ، ننادي...وقد يستعمل كل واحد من النداء والدعاء موضع الآخر ، قال تعالى : (كمَثلِ الذي يَنعقُ بما لا يَسمَعُ إلاّ دُعاءً ونِداءً ).
2 ـ الطلب ، يقال : دعاه ، أي طلبه ، قال تعالى : ( وإن تدعُ مُثقلةٌ إلى حَملِها ) ، أي تطلب أن يحمل عنها .3 ـ القول ، قال تعالى : ( فما كان دعواهُم إذ جاءهم بأسُنَا... ) ، أي قولهم إذ جاءهم العذاب .4 ـ العبادة ، قال تعالى : ( لن ندعُو مِن دُونه إلهاً ) ، أي نعبد .5 ـ الاستعانة ، قال تعالى : ( وادعوا شُهداءَكُم من دونِ اللهِ ) ، أي استعينوا واستغيثوا بهم .6 ـ الحثّ على الشيء ، قال تعالى : ( قال ربِّ إنِّي دعوتُ قومي ليلاً ونهاراً ) ، أي حثثتهم على عبادة الله سبحانه .7 ـ النسبة ، قال تعالى : ( ادعُوهُم لآبائهم هو أقسطُ ) ، أي انسبوهم واعزوهم .8 ـ السؤال ، قال تعالى : ( قال ادعُ لنا ربَكَ ) أي سله.
الدعاء في الاصطلاح : طلب الاَدنى للفعل من الاَعلى : على جهة الخضوع والاستكانة .ودعاء العبد ربه جلَّ جلاله : طلب العناية منه ، واستمداده إياه المعونة .ويقال : دعوتُ الله أدعوهُ دعاءً : ابتهلتُ إليه بالسؤال ، ورغبتُ فيما عنده من الخير.قال تعالى : ( وقالَ ربُكُم ادعُوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرُون عن عبادتي سيدخُلُون جهنَّم داخرين ).ويقول العلاّمة المجلسي : الاَدعية المأثورة على نوعين :1 ـ الاَوراد والاَذكار الموظفة المقررة في كلِّ يوم وليلة المشتملة على تجديد العقائد وطلب المقاصد والاَرزاق ودفع كيد الاَعداء ونحو ذلك ، وينبغي للمرء أن يجتهد في حضور القلب والتوجه والتضرع عند قرائتها ، لكن يلزم أن لا يتركها إن لم يتيسر ذلك .2 ـ المناجاة ، وهي الاَدعية المشتملة على صنوف الكلام في التوبة والاستغاثة والاعتذار وإظهار الحب والتذلل والانكسار ، وظني أنه لا ينبغي أن تقرأ إلاّ مع البكاء والتضرع والخشوع التام ، وينبغي أن تترصد الاَوقات لها . وهذان القسمان من الدعاء ببركة أهل البيت (عليهم السلام) عندنا كثير .علاقة الدعاء بالعبادة.تقدم أن عبادة هي أحد الاُمور التي يصدق عليها مفهوم الدعاء اللغوي الواسع ، ويدل على ذلك آيات قرآنية كثيرة وردت في هذا السياق، منها قوله تعالى : ( لن ندعُو مِن دُونِه إلهاً ) أي لن نعبد إلهاً دونه، فهذه الآية وغيرها تترجم الصلة اللغوية الدائمة القائمة بين العبادة والدعاء . أما الصلة الاصطلاحية بين العبادة والدعاء ، فإنّ الدعاء في نفسه عبادة؛ لاَنّهما يشتركان في حقيقة واحدة ، هي إظهار الخشوع والافتقار إلى الله تعالى ، وهو غاية الخلق وعلّته ، قال تعالى : ( وما خلقتُ الجنَّ والانسَ إلاّ لِيعبُدُونِ ) ، وقال تعالى : ( قُلْ ما يَعبأُ بِكُم ربي لولا دُعاؤكُم) .فالدعاء والعبادة يعكسان الفقر المتأصل في كيان الاِنسان إلى خالقه تعالى مع إحساسه العميق بالحاجة إليه والرغبة فيما عنده .قال الاِمام الصادق (عليه السلام) : « الدعاء هو العبادة التي قال الله : ( إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين ) يعني أنّ الدعاء هو معظم العبادة وأفضلها ، وذلك كقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الحج عرفة » أي الوقوف بعرفة هو الركن الاَعظم ويؤيد ذلك حديث الاِمام الباقر (عليه السلام) : ( أفضل العبادة الدعاء ).وما رواه سدير عنه (عليه السلام) ، قال : قلت لاَبي جعفر الباقر (عليه السلام) : أي العبادة أفضل ؟ فقال (عليه السلام) : « ما من شيء أفضل عند الله عزَّ وجلَّ من أن يسأل ويطلب ممّا عنده » . وإذا قيل : إنّ الدعاء لا يصحّ إطلاقه على العبادة الشرعية التكليفية ، فإنّ الصيام مثلاً لا يسمى دعاءً لغةً ولا شرعاً ، وعليه فليس كلّ عبادة شرعية دعاءً .نقول : (الدعاء من العبد لربه : هو عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية والمملوكية ، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاءً ، لاَنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية والاتصال بمولاه بالتبعية والذلّة ليعطفه بمولويته وربوبيته إلى نفسه ، وهو الدعاء) , وإلى ذلك يشير قوله تعالى : ( وقالَ ربُكُم ادعُوني استجب لكم إنّ الذينَ يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين ) ، فالآية تدعو إلى الدعاء وتحثّ عليه وتعد بالاجابة ، وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة ، فقد عبّرت أولاً بالدعاء (ادعوني) ثمّ عبرت عن الدعاء بالعبادة (عن عبادتي) أي عن دعائي ، بل (إنّ الآية تجعل مطلق العبادة دعاءً ، حيث إنها تشتمل على الوعيد لترك الدعاء بالنار ، والوعيد بالنار إنّما هو على ترك العبادة رأساً ، لا على ترك بعض أقسامها دون بعض ، فأصل العبادة إذن دعاء).وإذا تأملنا في قوله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أُجيبُ دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ).نلاحظ أنه (كما يشتمل على الحكم وهو إجابة الدعاء ، كذلك يشتمل على علله ، فكون الداعين عباداً لله تعالى هو الموجب لقربه منهم ، وقربه منهم هو الموجب لاجابته المطلقة لدعائهم) فاخلاص العبودية لله تعالى هو علّة القرب منه تعالى والارتباط به ، والقرب منه هو مظنّة الاِجابة ، وهو يكشف عن الصلة الموضوعية بين حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة ، قال الاِمام الصادق (عليه السلام) : « عليكم بالدعاء ، فانكم لا تُقرّبون بمثله ».
الدعاء مخُّ العبادة :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الدعاء مخُّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد) هذا الحديث المبارك يكشف لنا عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني ( يا أيُّها النَّاسُ أنتم الفقراءُ إلى اللهِ واللهُ هو الغنيُ الحميدُ ).وهذا الاقبال هو التعبير الحي عن الصلة الموضوعية بين الخالق والمخلوق ، وعن شعور الاِنسان بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أموره واعترافه الخاضع بالعبودية له تعالى ، والتي تتجسد في الشعور بالارتباط العميق بالله سبحانه ، فجوهر العبادة إذن هو تحقيق الارتباط والعلاقة بين الخالق والمخلوق ، والدعاء هو أوسع أبواب ذلك الارتباط وتلك العلاقة ، فهو إذن مخ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل العبادة الدعاء ، وإذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة ، إنّه لن يهلك مع الدعاء أحد ».الدعاء في البلاء والرخاء :==================الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الاِنسان بربه بارىء الكون ، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الاَحوال ، نابعاً من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الانساني .الدعاء في البلاء :إنّ علاقة الاِنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الاِنسان ، ولكلِّ امرىء طريق من قلبه إلى خالقه ، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الاَحداث وهو بكلِّ شيء محيط ، فحتى أشقى الاَشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن ، وعندما توصد في وجهه الاَبواب ، وتنقطع به العلل والاَسباب ، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعاً منكسراً ، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم ، قال تعالى : ( وإذا مسَّ الاِنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ ).وقال تعالى : ( وإذا مسَّ النَّاس ضُرٌّ دعوا ربَهُم مُنيبين إليه ثم إذا أذاقهُم منهُ رحمةً إذا فريقٌ منهم بربهم يُشركون ).وقال تعالى : ( وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الاِنسانُ كفوراً ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وكلّها تدلُّ على أنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الاِنسان وطبيعي في وجوده .قال رجل للاِمام الصادق (عليه السلام) : يا بن رسول الله ، دلّني على الله ما هو ؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني ، فقال له : « يا عبدالله ، هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم . قال (عليه السلام) : فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك ؟ قال : نعم ، قال (عليه السلام) : فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الاَشياء قادرٌ على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : نعم . قال الاِمام الصادق (عليه السلام) : فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي، وعلى الاغاثة حيث لا مغيث». لقد جعل الاِمام الصادق (عليه السلام) الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه ، لقد دلّه الاِمام (عليه السلام) على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر، إنّ هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلّى عند تقطع الاَسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الاَسباب والعلل الظاهرة ، هو الدليل على وجود تلك القدرة ، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الاِنسان .إنّ التوجه إلى الله تعالى في حال الشدّة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء ، أمرٌ غير مرئي بالحواس ، ويمكننا أن نشبّهه بتوجّه غريزي مرئي ومعروف ، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أُمّه ، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته ، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أُمّه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعوّد عليه ، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما ، وكذلك حال الغرائز الاُخرى في الاِنسان ، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجّه الغريزي في ذات الاِنسان .إنَّ هذا الاَمر الاَصيل في وجود الاِنسان ، قد تغطّيه حجب الاِثم والشقاء بعدما يظهر للعيان بنداء الفطرة ، فيتراءى للاِنسان أنّه قد استغنى ، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلّقاً بالاسباب التي هي دونه ، قال تعالى : (كلاّ إنَّ الاِنسان ليطغى * ان رآهُ استغنى ) ، وقال تعالى : ( فلمّا كشفنا عنه ضرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ ) (2)، وقال تعالى : ( فلمَّا نجاكم إلى البرِّ أعرضتُم ).فإذا اقتصر الاِنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة ، فان ذلك لا يمثل كمالاً إنسانياً ولا إخلاصاً عبادياً ، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة .الدعاء في الرخاء :===========قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موصياً الفضل بن العباس : « احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة »(4)يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدّة ولاينساك ، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم ، وذلك لاَنّ من نسي ربه في الرخاء أذعن باستقلال الاَسباب في الرخاء ، ثم إذا دعا ربه في الشدّة ، كان معنى عمله أنّه يذعن بالربوبية في حال الشدّة وحسب ، وليس هو تعالى على هذه الصفة ، بل هو ربّ في كلِّ حال وعلى جميع التقادير .عندما يكون الاِنسان في حال رخاء واطمئنان ، يجب أن يعلم بأنّ ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله ، وانه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها ، وذلك لاَنّه خالق الكون والاِنسان والحياة ، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم . ولهذا نجد أنّ الاَنبياء والاَوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش ، يدعو ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله : ( وزكريا إذ نادى ربهُ ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خيرُ الوارثينَ * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا لهُ زوجهُ إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات ويدعُوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) إنّ الله تعالى يستجيب لهم وينظر إليهم بعين رحمته في حال رخائهم ، ويسرع إلى نجدتهم ورفع البلاء عنهم في حال المحنة والابتلاء كما يسرعون إلى استدعاء رحمة ربهم ، وقد ورد في الروايات ما يدلُّ على استحباب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء .فعن الاِمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه كان يقول : « ما من أحد ابتلي وان عظمت بلواه أحقُّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء ». وعن الاِمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان يقول : « لم أرَ مثل التقدّم في الدعاء ، فان العبد ليس تحضره الاجابة في كلِّ ساعة ». وعن الاِمام أبي الحسن (عليه السلام) : « إنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ، ليس إذا اعطي فتر ، فلا تملّ الدعاء ، فإنّه من الله عزَّ وجلّ بمكان ».فالدعاء الاضطراري الذي يمثل نداء الفطرة والغريزة لا تتخطّاه الاجابة، لاَنّه يقع ضمن دائرة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيء ، والدعاء الاختياري الذي يصدر عن منطقة الوعي ونداء العقل وينبض بحركة الروح والشعور في الذات وحركة القلب المنقطع إلى ربه المتخلي عن جميع الاَسباب في الشدة والرخاء ، هو الآخر لا تتخطّاه الاجابة ، وهو مخُّ العبادة وجوهرها النقي ، وهو الذي وصف به المتقون : « ذُبُل الشفاه من الدعاء ، صُفُر الاَلوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ».والدعاء بالمعنى الاَخير عبادة حيّة متحركة لا تخضع للزمان والمكان المعينين ولا للاَفعال الخاصة والكلمات المحددة ، بل ينطلق فيها الاِنسان حراً في المكان الذي يقف فيه ، والوقت الذي يختاره ، واللغة التي يتحدث بها ، والكلمات التي يعبر بها ، والمضمون الذي يريده .
اقتران الدعاء بمظاهر العبادة :لقد اهتم الشارع المقدس بالدعاء لاَنّه أحب الاَعمال إلى الله تعالى في الاَرض ، فقرّر لآناء الليل والنهار ولكلِّ يوم من أيام الاسبوع وللشهور والسنين أدعية خاصة ، وجعل كذلك لكلِّ حالة من حالات الاِنسان ولكلِّ فعل يريد الاقدام عليه ولجميع مطالبه الدنيوية والاخروية وظائف من الدعاء والذكر . ويأتي في مقدمة ذلك اقتران الدعاء بسائر العبادات والطاعات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه تعالى بشكل لا يقبل الانفصال ، ففي الصلاة والصيام والحج دعوات قررتها الشريعة المقدسة في أوقات معينة . ومن موارد الدعاء في الصلاة تأكد استحبابه في الركعة الثانية من كل فريضة أو نافلة وفي السجود وفي أدبار الصلوات .القنوت :القنوت شرعاً : الذكر في حال مخصوص ، وهو مستحبٌّ في كلِّ صلاة مرّة واحدة ، فرضاً كانت أو نفلاً ، أداءً أو قضاءً ، عند علمائنا أجمع ، ومحلّه بعد القراءة قبل الركوع.قال الاِمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : « القنوت في كلِّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع ». ومما ورد في فضل القنوت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أطولكم قنوتاً في دار الدنيا ، أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف » ويجوز الدعاء في القنوت بكلِّ ما جرى على اللسان ، لما روي عن إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القنوت وما يقال فيه ، فقال (عليه السلام) : « ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئاً مؤقتاً ». ويستحب الدعاء بالمأثور لتجاوز الخطأ واللحن الشائع على الاَلسن في هذا الزمان ، قال الاِمام الصادق (عليه السلام) : « يجزيك في القنوت : اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا ، وعافنا وأعفُ عنا في الدنيا والآخرة ، إنّك على كلِّ شيءٍ قدير ».الدعاء في السجود :إنّ الدعاء هو الاقبال إلى الله تعالى والانقطاع إليه ليتحقق القرب من منازل الرحمة الالهية ، والسجود باعتباره روح العبادة حيث تتجلّى فيه منتهى العبودية والخضوع للواحد الاَحد يحقّق الغرض المراد من الدعاء ، وهو القرب من رحاب الخالق جلَّ وعلا ، فعلى العبد أن ينتهز فرصة القرب ليسأل من خزائن رحمة ربه وذخائر مغفرته .قال الاِمام الصادق (عليه السلام) : « عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ». وعنه (عليه السلام) : « إنّ العبد إذا سجد فقال : يا ربِّ يا ربِّ حتى ينقطع نفسه ، قال له الربّ : لبيك ما حاجتك ». ويستحب أن يدعو العبد بالمأثور أثناء السجود ، فعن جميل بن دراج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : « أقرب ما يكون العبد من ربِّه إذا دعا ربه وهو ساجد ، فأي شيء تقول إذا سجدت ؟ » .قلت : علّمني ـ جعلت فداك ـ ما أقول ؟قال (عليه السلام) : « قل : يا رب الاَرباب ، ويا ملك الملوك ، ويا سيد السادات ، وياجبار الجبابرة ، ويا إله الآلهة ، صلِّ على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا .ثم قل : فإنّي عبدك ، ناصيتي بيدك ، ثم ادع بما شئت وسله ، فإنّه جواد ولايتعاظمه شيء » وعنه (عليه السلام) : « انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا وضع وجهه للسجود يقول : اللهمَّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ، فاغفر لي ذنوبي ياحياً لا يموت ».الشيخحيدر الربيعاوي / الميمونة 2 جمادي الاول 1431هجرية17/4/2010
https://telegram.me/buratha