عمار العامري
لا يخفى على احد ما للمرجعية الدينية من دور كبير سطرت من خلاله المنهج الحقيقي الذي يجب أن تتمتع فيه هذا المؤسسة المعطاة، فقد شهد تاريخ العراق المعاصر محطات تاريخية مهمة رسمت من خلالها المؤسسة الدينية (الشيعية) ملامح التلاحم الحقيقي بين الأمة ومرجعيتها، فمنذ بداية القرن الماضي كان لمراجع الدين الدور الكبير في تعبئة الجماهير وشحذ هممها في التصدي للاحتلال البريطاني عام 1914-1920 فقد كان للفقهاء والمراجع القيادة الفعلية في الميدان العسكري في تلك المواجهة، ثم تلتها مواقفهم في انطلاقة تأسيس دولة العراق الحديثة حيث أصدروا الفتاوى التي رفضت المساعي البريطانية الرامية لتشكيل المجلس التأسيسي (البرلماني) والذي يؤمن من خلاله إرساء مصالح المحتل في العراق، وبطبيعة الحال أن المرجعية الدينية تشكل المرشد الأعلى للجماهير أي المقوم والموجه لمصالحها بما تقتضيه الحاجة وفي كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية فلا ضير أن تقف المرجعية العلمائية على تماس مع المصالح السياسية للعراق باعتبار الجانب السياسي يدخل في صلب الحياة العامة، لذلك نجد أن مرجعية الإمام محسن الحكيم عارضت إصدار قانون الأحوال المدنية (الشخصية) ونجد أن لها مواقف وطنية في مساندة الشعوب الإسلامية والعربية في قضاياها السياسية المصيرية ضد الاحتلال الأجنبي لاسيما الشعب الجزائري واللبناني والفلسطيني والباكستاني، كما كان للمرجع الإمام الحكيم دور في استيضاح شكل الحكم الذي يفضل كنظام سياسي في العراق وهذا ما يتعارض مع ما ذكره السياسي (هاني الفكيكي) بمذكراته والتي يورد فيها أن مطالب المرجعية الدينية كانت محدودة وتقتصر على أمور لا تمس حاجة المواطن الضرورية وهذا ينافي ما جاء في مذكرات السيد مهدي الحكيم (التحرك الإسلامي في العراق)، وان مواقف المرجعية الدينية لم تتوقف منذ ذلك الحين رغم محاولات الأنظمة السابقة عزلها عن الجماهير وبث سموم التفرقة والثقافة الأحادية والتي يحاول دعاتها تطبيق مبدأ(فصل الدين عن السياسة) أي بمثابة فصل الرأس عن الجسد.وامتداداً للدور المرحلي والذي توارثه المراجع عن منهج الأئمة "عليهم السلام" نجد أن مرجعية السيد علي السيستاني تقف موقف القائد والمسدد والموجه والمرشد للشعب العراقي في تخطي محنة التأسيس لدولة العراق الجديد، والتي انبثقت بعد عقود من الهيمنة الحزبية والفردية لتكون أفضل تجربة في التاريخ المعاصر، حيث أكد المرجع الأعلى السيد السيستاني على أن يكتب الدستور العراقي بأيادي عراقية حينما شعر أن هناك محاولات استيراد دستور مكتوب في الدوائر الخارجية، وشدد على مشاركة الجميع في اختيار ممثلين حقيقيون للشعب العراقي وتأتي في مقدمة الأولويات اعتباره أن صوت المواطن أغلى من الذهب لما فيه من إمكانية لبناء دولة لا يحكم فيها أعداء العراق وكثيرة هي المواقف التي تكون محطات تاريخية في مسيرة المرجعية الدينية.ولم يقف السيد السيستاني عند هذه الحدود أنما كان له القول الفصل عندما أرى أن الحراك السياسي الدائر حول تشكيل الحكومة العراقية المنتخبة في 2010 بحاجة إلى تدعيم ومساندة المرجعية الدينية لاسيما وان اغلب القوى السياسية تدعو إلى الجلوس على طاولة وصفت (بالمستديرة) لتوضيح شكل الحكومة القادمة وبرنامجها الحكومي، لذا كانت دعوة المرجعية الدينية مشاركة كافة الكتل الفائزة في الانتخابات في الحكومة القادمة ولا تكون مجردة مشاركة شكلية أنما مشاركة تضمن حقوق جميع أبناء الشعب العراقي الذي أدلوا بأصواتهم في يوم الانتخابات مما يجنب الشعب تقلبات الطائفية ويحقن دماء أبناءه التي سالت وما زالت تسيل، لهذا نجد أن المرجعية الدينية مسكت العصا من المنتصف وأعلنت دعمها ومساندتها لتشكيل حكومة الشراكة الوطنية التي تكون حكومة الخدمة للمواطن العراقي.
https://telegram.me/buratha