قاسم العجرش
هنا نعيش بداية الانتقال العسير نحو الموجة السياسية السادسة في تاريخ العراق الحديث، و سيكون بناء الطريق الديمقراطي للسلطة كهدف مركزي غايته بناء الإنسان العراقي مجددا ليكون القوة الدافعة المناسبة لتعبيد الطريق. وبالتأكيد أن هذه القوة الدافعة للمسير نحو الغد تتطلب وقوداً أيديولوجياً و عقائدياً جديداً بعد فشل المشروعين القومي والعلماني في العراق وسائر بلدان المنطقة,, فالمشروع القومي وإن كانت بعض مفرداته جذابة لكنها مجدبة بالمحصلة، أم المشروع العلماني فهو ليس غير مناسب لقيمنا فحسب لكنه غريب عنها أيضا، ومع أنه يتوفر في بعض جوانبه على أضاءات ملهمة، لكنها ليست ملهمة لنا كمسلمين لنا ثوابتنا وقيمنا، ولعل السيء بالمشروع العلماني هو ليس في المشروع ذاته بل في حملته ومعتنقيه الذين قدموه على أسوأ ما يكون..
وكأمثلة وكمحصلة أدائية يمكننا التقرير أنه عندما تولى المشروع الإسلامي قيادة المقاومة الوطنية اللبنانية تحقق أول نصر عسكري للعرب على الدولة العبرية لينسحب جيشها مذعوراً من الجنوب تحت ضربات حزب الله . بعد هذا الانتصار أصبح استمرار الدولة العبرية على أرض فلسطين موضع شك في المجتمع الصهيوني، وعلى الرغم مما يشوب التجربة الإسلامية في فلسطين من أخطاء ربما أحد أسبابها شدة الهجمة المقابلة وشراستها، إلا أنها على الأقل أبقت القضية الفلسطينية حية متقدة وأجبرت العالم وفي مقدمته أمريكا الحليف الرئيسي للكيان الصهيوني الغاصب على تبني فكرة الحل عل أساس مشروع الدولتين، وهذا شرخ كبير جدا في جدار الجبهة المقابلة..ولقد مضى زمن طويل جدا تدنت فيه المطالب العربية والأطروحات عن الحقوق إلى أدنى مستوى لها بل إلى حد القبول والإذعان للمشروع الصهيوني، غير أن الأطروحة الإسلامية أعادت الصراع إلى مثاباته الأولى و قد واكب انتقالنا من المرحلة السياسية السابقة ـ سلطة النظام البعثي الشمولي ـ وضع سياسي مأزوم . غالباً ما تختفي فيه قوانين أو سنن ثابتة تحكم حركة المجتمع السياسي و تؤطرها .. إذ يبدو كأنه ارتباك و فوضى!! فالأزمة السياسية عميقة و الانحباس السياسي خانق، وهذه هي الحصيلة المرة لتعثر إنجاز المسار الديمقراطي في بنيات الدولة، وهو أيضاً حصيلة تأجيل الإصلاح الديمقراطي لبنيات الأحزاب المتصدية للعملية السياسية ذاتها. و هو أيضاً ثمرة فاسدة لانحسار خط الواقعية السياسية، و اتساع نهج الواقعية المفلسة فكراً و ممارسة، وانتشار ثقافة اليأس و الشلل السياسي وسط النخبة المثقفة. بعد أن هيمنت على سوادهم ثقافة الخلاص الفردي. ونؤشر هنا أهم تعابير المشهد السياسي:أولاً: تراجع أداء القوى المؤثرة في معسكر المسار الديمقراطي بسبب تزاحمها على السلطة ومنافعها، مما تسبب بابتعادها عن جماهيرها ناهيك عن أطروحتها..ثانياً: بدفع وتصميم من مصمم العملية السياسية ووفقا لأجندته شهدنا بداية تبلور تحالفات علمانية سياسية جديدة بين اليمين واليسار. تشكلت نواها في المكونات الحزبية و السياسية للعديد من القوائم الانتخابية، وتسللت تلك الأطروحة إلى القوائم الانتخابية الإسلامية أيضا. وسيتعمق هذا المشهد في اتجاه بناء حلف علماني ثلاثي يضم الدولة التكنوقراطية وقوى المنفعة واليسار العلماني وأحزاب اليمين العلمانية. وخطورة هذا الحلف تكمن في احتمال توجيه قوته لضرب القوى الإسلامية و الحد من تأثيرها على المجتمع والدولة معاً. سيما وأن الغرب يعمل جاهداً على توطيد أركان العلمانية غير الديمقراطية ( المستبدة)، لأن الديمقراطية ليس هي العلمانية و إن نبتتا في بيئة واحدة هي البيئة الليبرالية . ثالثا: ولتيقن هذا الحلف متأكد من أن إنجاح معركة النزاهة في الانتخابات هي القوى الإسلامية. وبما أنه يضع الحركة الإسلامية على رأس قائمة الخصوم إن لم أقل الأعداء، فإن الحيلولة دون صعود الإسلاميين ولو بالتزوير كانت هدفا واضحا له.رابعا: أن قسماً عريضاَ من النخبة السياسية المعارضة سابقاً تلاقت مصالحه اليوم في المال والجاه و السلطان مع لوبي الفساد المتحكم اليوم في الدولة و الاقتصاد و الإدارة بشقيه المدني والعسكري. خامسا: ومن المؤسف حقاً أن الحركة الإسلامية لم تملأ الفراغ السياسي الحاصل في موقع المعارضة. بخلقها وتبنيها معارضة حقيقية كحق بل كفريضة سياسية إسلامية، رغم أن ذلك ملزم شرعاً بأطروحة ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ). ورغم أن معركة بناء الطريق الديمقراطي إلى السلطة مصلحة شرعية بالنسبة للحركة السياسية الإسلامية. سادسا: ومن المهم التأكيد على أن الديمقراطية آلية إستراتيجية للتنظيم. وليست أداة تكتيكية كما هو الحال عند بعض السياسيين الإسلاميين، نصعد بها السلم إلى السلطة تم نرمي بالسلم خارج اللعبة، هذا أمر ضار بمشروع دولة المؤسسات التي ننشد. فالديمقراطية كآلية إستراتيجية، أداة فعالة بيد القوى الإسلامية، عليها إتقان التعامل بها لقطع الطريق على أعداء التغيير الديمقراطي بالطرق الديمقراطية بعيداً عن العنف و عقلية الإقصاء. وفي المحصلة النهائية فإن إرساء آلية الديمقراطية معركة شرسة للغاية و تتطلب تصميما وروحاً جهادية عالية بين أبناء الحركات الإسلامية واستعداد عال لتقديم تضحيات مكسبية، وإتباع المسار المدني القانوني بكل أشكاله بعيداً عن أساليب المماحكة السياسية والمناوشات الفارغة والتعميمات الوطنية الجوفاء أو الاستغاثة بالنظام العلماني . فهي لن تجدي نفعاً سياسياً للمجتمع العراقي المترع بقيم الإسلام. أن معركة البناء الديمقراطي (إسلاميا) تتطلب أيضاً تحديد هدف سياسي مركزي بمثابة بوصلة أو بصيرة للعمل السياسي عند الحركة الإسلامية خلال مرحلة تاريخية كاملة ، إنه هدف( بناء مجتمع الكفاية والعدل ودولة المؤسسات)ومعركة ذلك لم تبدأ في حقيقة الأمر بعد حتى يقول البعض أنها حسمت بنتائج انتخابات آذار 2010..
https://telegram.me/buratha