حافظ آل بشارة
المثقفون الاستهلاكيون لديهم احيانا عبارات جاهزة ومفيدة كقولهم بأن المناسبة الفلانية فرصة لاستلهام الدروس والمواعظ العبر ، مع ان احدا لم يستلهم درسا ولاعبرة من أي مناسبة تمر ، نكرر حكاية استلهام الدروس والعبر وقد مرت علينا مناسبات عديدة في وقت واحد ، ذكرى سقوط النظام البائد وذكرى تأسيس حزب البعث وذكرى استشهاد المفكر والمرجع السيد محمد باقر الصدر . هذه حفنة مصائب وقد تعب العراقيون من الاحزان والفواتح وتعب المثقفون والسياسيون من استلهام الدروس والعبر ، لكن المستلهمين والمستلهمات لم ينتبهوا الى قلة الدراسات العراقية التي توثق تاريخ حزب البعث وتجربته الفريدة في الحكم ، ولم يفكر احد من المستلهمين بتقديم اقتراح الى الحكومة قبل ان تصبح حكومة تصريف اعمال بعد ان كانت حكومة تصريف اقوال لافرق بين التصريفين ، اتمنى على الحكومة ان تمول بحوثا تتولى تحليل تاريخ حزب البعث ولماذا تحول الى (ذيب نعمان يعض اهله والجيران) ولماذا نحن هكذا ، فالشعوب تؤسس احزابا لتقيم العدل والقسط ونحن نؤسس حزبا فيتحول الى فريق جلادين يكرهوننا وهوايتهم جمع الاسلحة وشن الهجمات بكل اتجاه وانفاق اموال النفط على تاليف الاناشيد وحشد الجيوش وشراء الراجمات ، هذه التجربة التاريخية تحتاج الى دراسة ، وتجريد اهم الملامح التي ميزت حزب البعث عن غيره من الاحزاب في العالم وليس العالم العربي لان احزاب العرب كلها مثل حزبنا ، الصفة التي تجمع الاحزاب العربية الشقيقة انها ذات اصل غامض ، وظروف تأسيس حافلة بعلامات الاستفهام ، هناك 4 اسماء في تأسيس البعث ، زكي الارسوزي المدرس الاسكندروني ، والدمشقيان ميشيل عفلق وصلاح البيطار والحموي اكرم الحوراني والثلاثة الاوائل تخرجوا من الجامعات الفرنسية اثناء الحرب العالمية الثانية وتأثروا بالفكر القومي الفرنسي ، واتهموا ثلاثتهم بأنهم عملاء للمخابرات الفرنسية ! الرجال الاربعة ركزوا اهتمامهم على زج ابناء الطوائف في حزب البعث في الاربعينيات والخمسينيات مثل العلويين والدروز والنصارى في سورية ، وفي البداية تآمر عفلق على الارسوزي وعزله عن نشاط الحزب وسرق نظرياته وبعد انفصال الجمهورية العربية المتحدة عزلوا اكرم الحوراني بتهمة تأييد الانفصال ، فبقيت الساحة لعفلق وحده ، وفي سنة 1963 نفذ عفلق ورفاقه انقلابا فاستولوا على السلطة في سورية ، وفي سنة 1966 انشق الضباط البعثيون واخذوا السلطة فهرب عفلق وصلاح البيطار من دمشق ، وفي العراق تعاون البعث مع القوميين سنة 1963 فشنوا انقلابا على عبد الكريم قاسم وقتلوه واقتسموا السلطة مع عبد السلام عارف وبعد ايام انقلب عليهم عارف وزج بهم في السجون ، وفي سنة 1968 شنوا انقلابا على عبد الرحمن عارف مستعينين بأثنين من القياديين المتعاونين واستولوا على السلطة ، وبعد 13 يوما قاموا بعزل ونفي الاثنين اللذين تعاونا معهم ، وفي سنة 1979 شن صدام انقلابا من داخل الحزب والدولة وعزل الرئيس احمد حسن البكر وقتل عشرات البعثيين من الملاك المتقدم . هذا التأريخ الذي هو فلم هندي من الغدر والمؤامرات والجرائم لماذا لا يحظى بدراسة جدية من باب استلهام المواعض والدروس والعبر ؟ من الناحية الفكرية يوصف البعث بأنه حزب بلا رؤية عقيدية ولا اطار اديولوجي ، اما من الناحية التنظيمية فيعتمد شبكة من الخطوط التي هي اقرب الى الدوائر المخابراتية ، ولم ينجح البعث في سورية والعراق الا في صنع ودعم الحكم الاستبدادي وقمع المعارضين وعسكرة المجتمع وانتهاك حقوق الانسان . يجب ان تكون هناك صفاة معينة تميز العراقيين والسوريين وتجعلهم ارضية ملائمة لنشوء تجربة رهيبة كهذه دون غيرهم من الشعوب العربية ، هذه الامور جديرة بالدراسة واستلهام العبر لكي نمنع على الاقل ظهور تجربة جديدة من هذا النوع .
https://telegram.me/buratha