حافظ آل بشارة
في الذكرى السابعة لسقوط نظام صدام يبدو الوقت مناسبا لاجراء تقييم حول بعض اخفاقات النظام السياسي البديل ، ولان هذا العنوان واسع ومعقد يمكن تجزئته الى عناوين اصغر ، الموضوع الذي اخترناه يتعلق بمجموعة من الناس لم نعد نسمع لهم صوتا اسمهم (المجاهدون) الذين قاتلوا نظام صدام في الشمال والجنوب وفي قلب بغداد ، بعنوان اوسع من منظمة بدر الظافرة واطارها التنظيمي ، هؤلاء كانوا على شكل امة مصغرة يؤمنون بأن من يقتل في ميدان تلك المعركة فهو شهيد ومن بقي منهم فهو شهيد حي ، كانوا في علاقاتهم الاجتماعية واخلاقهم مثالا للمدينة الفاضلة : كرام ، متواضعون ، متحابون ، معتدلون ، اهل عفة وحلم وحكمة ، يتسابقون على العطاء ، وقد وجهوا ضربات موجعة الى الاجهزة القمعية الصدامية ، نازلوا نظام صدام في قلب بغداد واسقطوا هيبة اطواقه الامنية واورثوه عقدة فشل دائمة واوصلوه الى حافة السقوط ، وما ان قررت واشنطن غزو العراق والاطاحة بنظام صدام حتى انقلبت الموازين ، لم تعد المرحلة بحاجة الى رجال من ذلك الطراز لذا يفترض ان ينسحبوا الى الظل ، لا بأس الجميع يتفهم مفردات المرحلة ، ولكن الايام التالية اثبتت ان هناك فرقا كبيرا بين من يتم سحبه الى الظل مؤقتا لاسباب منطقية وبين من يتم ركله وخنقه والغاء وجوده ومصادرة حقوقه واعتباره جزء من الماضي ، هناك اوساط معينة تعتبر المجاهدين العراقيين مفردة قديمة ومزعجة ويجب البراءة منها وتجاهلها واغفال ذكرها لانها تمثل التشدد الديني وعدم الانفتاح وشعارها : ان القابض على دينه كالقابض على جمرة ، نحن في مرحلة لا تحتاج الى الشجاعة والاستقامة وروح العطاء لذا يجب تغيير كل شيء حتى ان اؤلئك الرجال لا يجدون لهم مكانا في الواجهة الا نادرا ، وفي التمثيل الحكومي او البرلماني لايقدمون من اصحاب التاريخ الا القليل من الوجوه الى جانب اسماء لا تمثلهم ولاتمت اليهم بصلة ، بل تم العثور على اشخاص ركبوا موجة المجاهدين واستغلوا تاريخهم وتضحياتهم وهم من بقايا البعث الصدامي ! أو من الاوساط التي كانت تدعم نظام الطاغية وتعادي المعارضين ! المشكلة واضحة ولكن تحليلها موضع خلاف ، هناك من يقول ان تغييبهم جرى على اساس مخطط له مبرراته المنطقية ، وهناك من يقول انهم غابوا ولم يغيبوا ، بل تفرقوا باختيارهم وانتهت مهمتهم وليس لديهم القناعة الكافية للعب دور سياسي ولوشاءوا لفعلوا ، اما المجاهدون انفسهم فيرون انهم ضحية معادلات اقتضت ان يتم رسم المشهد السياسي بدونهم ، يقولون انهم يحترمون هذا القرار ولكن لماذا تصادر حقوقهم ويجري تجويعهم واذلالهم واهمالهم ؟ يستحق المجاهد المضحي سكنا لائقا وراتبا كافيا وضمانات وخدمات معيشية وان عملية الدمج والتعويض التي تمت بجهود مشكورة من الامين العام لمنظمة بدر ودوائرها لم توفر لهم الحد الادنى من عناصر العيش والاكتفاء . ومن الناس من يلقي باللوم على المجاهدين انفسهم ويرى ان المبادرة الحقيقية تبدا من اوساطهم ولا ينوب احد عنهم في ذلك وان بقاءهم بعيدا عن المشهد السياسي والاجتماعي له اضرار كبيرة على البلد ومنظومته السياسية والقيمية وتوازناته ، انه انقطاع متعمد عن حقبة تاريخية تتدخل في اضفاء الشرعية على كيانات وافراد يتصدرون المشهد الراهن ، هناك رأي يقول ان التراجعات الحالية التي اصابت الاسلاميين في الشارع قد يعود بعضها الى غياب او تغييب المجاهدين خاصة وان الاحداث أثبتت فشل سياسة الفقاعات التي اعتمدت احيانا لاملاء الفراغ ، الفقاعات تنفجر والاسماء الطارئة تصعد عاجلا وتهوي بسرعة ، اذا كان بعض أؤلئك الشهداء الاحياء يعدون صقورا فالمرحلة بحاجة اليهم كما هي بحاجة الى الحمائم ، الامر يتوقف على توزيع الادوار كمهمة قيادية ، اذن الوقت مناسب لكي يفكر القادة بهذه الحقائق التنظيمية بمسؤولية وصراحة وجرأة وأمانة في اطار المراجعة الشاملة للأداء التنظيمي والسياسي واعادة البناء .
https://telegram.me/buratha