كرار الياسري
في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 للهجرة شع ضياء النور وملأت الفرحة بيت العلامة الزاهد السيد حيدر الصدر لولادة أية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر في مدينة الإمامين الجوادين ( عليهما السلام ) ، ذكائه وعبقريته لفتت الأنظار إليه في سن مبكرة فكان مثار إعجاب الجميع وقد حرمه الموت من عطف وحنان والده الذي توفاه الله وهو صغيرا فتولى تنشئته والسهر عليه والدته الفاضلة وأخيه الأكبر السيد إسماعيل الصدر الذي درس على يديه في الثانية عشر من عمره وقبل هذا كانت أول كتاباته (رسالة في المنطق) وكان يبحث عما يسد جوعه إلى المعرفة وتحصيل أعلى مراتب العلم فكانت الهجرة صوب باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حيث الحوزة العلمية وأكابر العلماء حتى أنهى دراسة الفقه والأصول عند السيد أبو القاسم الخوئي ( قدس سره ) في سن لم تتجاوز ال25 .
تغيير المناهج التي تدرس في الحوزة العلمية التي تتطلب مدة زمنية طويلة لإعداد العلماء وعدم مواكبتها للتطورات وزج الشباب المثقف في الحوزة كانت من أولى اهتمامات السيد الصدر التي لم تقتصر على الجانب الفقهي والعقائدي بل شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والفلسفية والفكرية فكانت المؤلفات العظيمة ( اقتصادنا - فلسفتنا -بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة - البنك اللا ربوي في الإسلام ) وغيرها حتى أصبحت تسمية فيلسوف العصر تعني الشهيد الصدر وركز على دعم ورعاية الشباب والاهتمام بهم باعتبارهم نواة حركة التغيير والسمو وقيادة المجتمع وكان يحارب على أكثر من جبهة فتصدى لاحقا لمعالجة الانحرافات وصد وتفتيت الهجمات التي كانت السلطة البعثية توجهها للنيل من الإسلام المحمدي والحوزة العلمية التي تعرض الكثير من أساتذتها وطلابها وبينهم الكثير من وكلائه في مختلف مدن العراق إلى القتل والتسفير وشتى صنوف التعذيب للنيل منها وإضعافها لعدم مهادنتها لحكام الجور والسير في ركابهم كما كان يفعل الكثير من وعاظ السلاطين الذين ارتضوا تسخير علومهم لتبرير تصرفات الحكام مقابل فتات يطرح إليهم فكانوا مقبلين على الدنيا لاهثين ورائها مدبرين عن الآخرة لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فالمعروف لديهم ما يستحسنه الحكام وخلافه الكفر والضلال فساهم ذلك في تعجيل الصدام مع النظام البعثي القمعي الذي وجد في فكر السيد الشهيد مصدر الخطورة الكبرى على استمرار يته وقد أشار صدام إلى ذلك في رسالته التي وجهها للسيد الشهيد عندما خاطبه ( الثورة تشعر بأنكم خصمها العنيد وعدوها اللدود ) فكان خاضعا للمراقبة المستمرة من قبل أفراد الأمن والمخابرات ووضعت أجهزة التصنت في بيته وفرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقل عدة مرات ولما لم تفلح كل تلك الأساليب اللا إنسانية في ترهيبه و النيل من عزيمته توجه النظام إلى اسلوب الترغيب والتقرب منه فعرض عليه الجاه الكبير والمنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة فأختار السيد الشهيد المنزلة في قلوب مريديه ومحبيه والمكانة العظيمة التي وعد بها رب السموات عباده المتقين ورفض بيع الحق بالباطل وخسارة الحياة الباقية بربح الحطام الزائل وكان رده على صدام إني كنت أنصحكم وأملي صلاح أنفسكم لكنكم ( ركبتم ظهور الأهواء فتحولت بكم في المهالك واتبعتم داعي الشهوات فأوردكم أسوء المسالك ) . فكانت وقفته في وجه الطغاة كوقفة جده يوم عاشوراء ورفض المهادنة واقبل على الموت مختارا محبا غير خائف ولا وجل فالقتل على أيدي الظالمين كرامة الله لعباده المخلصين ولو قتل ألف قتلة فلن يجدوا إلى ما ارادو منه سبيلا وأطلقها مدوية صرخة جده التي أرعبت الظالمين يوم عاشوراء ( فو الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم إقرار العبيد ) .عندها قرر صدام قتل السيد فأقدم على جريمته النكراء بعد ثلاثة أيام من اعتقاله الأخير فكانت الشهادة يوم 9/4/1980 التي شاء الله جل وعلا أن يجعله يوم انهيار نظام الطاغية الذي فر مرعوبا وفضل العيش في جحر مع الجرذان في ذلة ومهانة وانكسار لا يمكن أن يتصورها عقل لأنها من ترتيب الخالق العظيم الذي ينتقم لعباده وتحققت نبوءة الشهيد عندما قال(فو الله لن تلبثوا بعد قتلي إلا أذلة خائفين تهول أهوالكم وتتقلب أحوالكم ويسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان يسقيكم مصاب الهزيمة والخسران ويذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء ) إلى أن يقول ( وأورث الله المستضعفين أرضكم ودياركم وأموالكم ) . أقول لك سيدي لقد تحقق كل ذلك لكن هل تعلم إن المستضعفين تفرقوا إلى كتل وأحزاب وتيارات ووقف بعضهم بوجه بعض وهم إذا لم يتنبهوا قبل فوات الأوان فإنهم مقبلون بسرعة على منحدر ضعف وتشرذم لا يعلم عاقبته إلا الله وان محنة الجماهير على أيدي الذباحين والتكفيريين مستمرة وهي صابرة وتأبى الاستسلام لأنها دائما أقوى من الطغاة .سلام على أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر يوم ولد ويوم استشهد على يد يزيد العصر ويوم يبعث حيا
https://telegram.me/buratha