عادل العتابي
ظهرت مهنة او مصطلح المحلل في العراق الجديد بعد سقوط النظام السابق من خلال انتشار صحون الالتقاط واجهزة الاستقبال الفضائية ومشاهدة ومتابعة الفضائيات على اختلاف انواعها واشكالها ودخولها عنوة الى كل بيت وغرفة عراقية،فهناك محلل رياضي مختص بكل فضائية حتى اصبحت رؤيته على تلك الفضائية منذ عام 2003 ولحد الان تقليدا ثابتا لايطاله التغيير الا ماندر،في الاقتصاد فان المحلل الاقتصادي يظهر على الفضائية بكامل اناقته ليؤكد بان انخفاض سعر صرف الدولار لن يؤثر كثيرا على منطقة الشرق الاوسط او ان ارتفاع اسعار البترول والتي تجاوزت التسعين دولار للبرميل الواحد لاعلاقة لها بزيادة رواتب المتقاعدين او الموظفين الذين يواصلون جهادهم في الوظيفة لسد رمق عوائلهم.
كما ان هناك محلل سينمائي اقترن اسمه بأسم الفضائية التي تتعامل معه ويعطينا اخر اخبار جائزة الاوسكار،وماهي اخبار النجوم وزوجاتهم وكل ما يتعلق بالفن والفنانين،السياسة لن تخلوا من جمهرة من المحللين بعضهم يتفوق على الاخر باعتباره محلل ستراتيجي وهو افضل بكثير ممن لم يحصل بعد الا على لقب محلل سياسي،في كل قناة هناك عدد من المحللين الاستراتيجين وليس محلل واحد كما ان الاختصاصات تم توزيعها بشكل منتظم بين المحللين انفسهم فهناك من هو مختص بحركات التحرير في العالم الثالث،واخرون مختصين بالحركات الارهابية والتنظيمات الدموية فيما يختص اخرون بالشان الايراني والبرنامج النووي الايراني او الثورة الخضراء الايرانية.
وحتى تكون المهنة الجديدة وهي التحليل في كامل الاناقة فلابد من ان يكون هناك اختصاص دقيق كأن يكون المحلل الاستراتيجي مختصا بفرع تنظيم القاعدة كاختصاص دقيق للمنظمات الارهابية عموما،وهكذا لبقية التسميات،علما ان البعض من الفضائيات تريد ان تكون بضاعتها الاعلامية منسجمة مع التوجهات المرسومة لها لذا فهي حريصة على انتقاء الاسماء اللامعة في التحليل السياسي،وهذا الامر لم يغب عن عدد من الفضائيات العراقية فاستعانت بعدد منهم كان البعض في صورة كبيرة ورائعة وكان البعض منهم في حالة بائسة تماما،فمنهم لايعرف مثلا عدد محافظات العراق او اسماء لمدن مهمة،كما اصبح من المعتاد له ان يرفع المنصوب ويجر المجزوم،وبعضهم وبعد ان يستمر بالتأتأة يلجأ الى مفردة عامية مضحكة لانه لايفقه في الفصحى شيئا.
اخر ملوك التحليل الاستراتيجي هو من ظهر على احدى الفضائيات العربية بعد الانتهاء من فرز اصوات الناخبين واعلان النتائج في انتخابات مجلس النواب الاخيرة وهو يترك لحية بترتيب سعودى على مؤخرة ذقنه والابتسامة لاتفارقه ليقول ان مؤسسته الاستراتيجية في احدى دول الجوار تمكنت من ان تصل الى النتيجة التي الت اليها الانتخابات قبل الفرز والعد للاصوات الانتخابية ومنذ وقت مبكر،اذ عرفت تلك المؤسسة بقدرة قادر بان القائمة العراقية ستحصل على 92 صوتا وقائمة ائتلاف دولة القانون على 90 صوتا والائتلاف الوطني العراقي على 70 صوتا وهكذا، وبالطبع فانه كان يضحك وهو يستمر بالقول بانه توقع كل شيء قبل حدوثه باعتباره محللا سياسيا استراتيجيا خمسة نجوم،واضاف ذلك المحلل وهو في قمة النشوة والابتهاج بان الامطار التي هطلت في بغداد يوم اعلان فوز القائمة العراقية كانت دليل على فرحة السماء بذلك اليوم لان الامطار لاتسقط في شهر اذار كما هو معتاد؟؟
ضحكت كثيرا على عقل المحلل السياسي الفطحل لانه اراد ان يضحك علينا،ومع اني لااحفظ اي من الامثال الشعبية لكني متاكد باني سمعت من اهلي بان شهر اذار هو للهزائز والامطار،كما كنت افرح كثيرا في نيسان عندما تغضب السماء على البعث وتقوم من خلال الريح القوية بتمزيق لافتتات الاحتفال بعيد ميلاد الحزب الواحد والقائد الاوحد في نيسان وليس في اذار في حين يصر صاحبنا المحلل السياسي الستراتيجي بعدم سقوط المطر في اذار! الا مع فوز القائمة العراقية؟
https://telegram.me/buratha