عمار آل عيسى
السياسة تتحرك وفق المصالح , والمصالح ترتبط " غالبا " بالاقتصاد , والاقتصاد يبنى على السوق , والسوق اسير قانون ( العرض والطلب ) , وهو بالطبع - القانون - ينبطق على سلة ( اوبك ) مثل ما ينطبق على سلة ( بطاطا ) ؛ اذا ً هناك علاقه بين السياسة والبطاطا !!البطاطا تحديداً ؛ لانها كانت محور فكرة متمردة على قانون ( العرض والطلب ) , اكتشفها الايرلندي روبرت جيفن قبل قرن تقريباً , حيث وجد ان ارتفاع سعر البطاطا قد يجعل الاقبال عليها اكثر , فالمستهلك الفقير المحدود الدخل سيضطر للاستغناء عن سلع اخرى مثل ( اللحم ) ليشتري حاجته الاساس من البطاطا ؛ وكي يسد فراغ اللحم سيشتري مزيداً من البطاطا ؛ اذاً فاستهلاكه لها سيزيد بالرغم من ارتفاع ثمنها !!قانون متناقض .. حتى انه لم يسمَ قانون بل سُمي بـ ( متناقضة جيفن ) .في العراق , وكما يحدث في السوق , ظهرت التسعيرات الجديدة للكتل السياسية ؛ وهي بالطبع المنتج والمستهلك في آن واحد ؛ لذا فلا بد من رسم خارطة بازارية جديده .الكتل الكبيرة الاربع تقاسمت ( 293 ) مقعد من اصل ( 325 ) ؛ وهي كالتالي : العراقية 91 , القانون 89 , الوطني 70 , الكردستاني 43 .حجم المقاعد في هذه اللعبه قد لا يمثل الورقة الاقوى , انما تمثلها العلاقات والتحالفات وتنسيق المواقف , اذ ان المحكمة الاتحادية فسرت ( الكتله الاكبر ) على انها الكتلة التي تعدو حاجز 163 ؛ وهذا ما لم تحققه اي من القوائم .ووفقاً لتبعات المرحلة السابقه والحملة الانتخابية وما تلاها فإن التقاطعات تظهر جلية بين ( العراقية - القانون ) و ( العراقية - الكردستاني ) . هذا يعني ان التحالفات الفاعله ستكون على الارجح ( القانون - الوطني ) ( الوطني - الكردستاني ) ؛ وهم الثلاثه يشكلون ( 202 ) مقعد ؛ ويبدو ان هؤلاء الثلاثه سيكونون اساس الحكومة القادمة . فإذا افترضنا ان الائتلافين سيندمجان ؛ ويحققان 159 مقعد ؛ فإن امر رئاسة الحكومة سيكون لاحدهم , وسيكون للاكبر حجماً على الاغلب وهو لإتلاف دولة القانون .لكن اذا اما اذا افترضنا ان الائتلاف الوطني شكل بداية الامر موقفاً موحداً مع الكردستاني الحليف الستراتيجي التاريخي للمجلس الاعلى ؛ ثم دخلا في جبهة وطنية مع المالكي , فستكون المعادلة التاليه : الوطني 70 + الكردستاني 43 = 113 الوطني والكردستاني 113 + القانون 89 = 203 113 - 89اي ؛ اذا تم التوصل الى موقف موحد بين الوطني والكردستاني , فعلى طاولة التفاوض مع المالكي الذي لا يملك خياراً آخر غيرهم سيكونون اكبر منه حجماً , وذلك يحدد بالتأكيد رئاسة الحكومة .هذا قد يفسر لنا دعوات قياديين في دولة القانون لـ ( اندماج الائتلافين ) , و تصريحات الائتلاف الوطني التي تتحدث عن ( استبعاد الاندماج ) و ( فوات الاوان ) و ( ضروره التقارب ) ؛ كما ويكشف ايضاً عن اهمية مشروع ( الجبهة الوطنية ) الذي اعلنه عمار الحكيم زعيم المجلس الاعلى بعد لقاءاته بالمسؤولين الاكراد في زيارته الاخيرة لكردستان قبيل الانتخابات . فإذا كانت رئاسة الحكومة بين الوطني والكردستاني فسيكون الائتلاف وافر الحظ طبعاً , للاستحقاق الانتخابي والطائفي في آن واحد ؛ واذا كانت له فستكون اما للمجلس الاعلى واما للتيار الصدري ؛ المجلس لديه اكثر من مرشح قد يحظون بقبول وطني , اما التيار الصدري فإنه قد لا يتمكن من تقديم شخصيات مقنعه للاطراف الاخرى ؛ فضلاً عن كونه ينأى بنفسه دائماً عن الاحتكاك المباشر مع الجانب الامريكي ؛ فلعله وفق ذلك سيفضل ( زعامة الائتلاف ) بينما يعطي رئاسه الحكومة الى غريم الامس , حليف اليوم ؛ وذلك ما بدا واضحاً في تصريحات المرشحة عن التيار الصدري لقاء آل ياسين التي اعربت عن رغبه كتلتها بتولي مرشحها قصي السهيل زعامة الائتلاف .رئاسة الحكومة لشخصية من الائتلاف ستكون عرضاً مقبولاً للصدريين ؛ سيما اذا كانوا ( زعماء الائتلاف ) . وبالتأكيد فإن مرشح الائتلاف الوطني لرئاسة الحكومة او بالاحرى ( مرشح المجلس الاعلى ) سيحظى بمقبولية الاكراد , وعلاوي ايضا , اذا ما كان الخيار الاخر هو المالكي ؛ وسيضطر المالكي لقبوله لقاء تمثيل حكومي مُرضي . بينما فرص المالكي بالقبول من علاوي , ومن الوطني , ومن الكردستاني ستكون ضعيفه , اذا ما كان الخيار الاخر عادل عبد المهدي مثلاً . اما علاوي , فسيكون مرفوضاً من اصدقاء ايران قاطبة .. سيما بعد موقف الاكراد من تصريحات الهاشمي والنجيفي حول رئاسة الجمهورية . هذا السيناريو غير حتمي طبعاً .. لكنه وارد جداً , وقد تؤيده بوادر مقبولية اقليمية ودولية قد توحي لها زياره عبد المهدي الاخيرة الى طهران , اضافه الى تصريحات البيت الابيض بعد لقاء عبد المهدي بالرئيس اوباما قبل الانتخابات , والتي اكدت رغبة واشنطن بحكومة عراقية تحضى بعلاقات طيبة مع واشنطن وطهران في آن واحد . لعل المجلس الاعلى الذي ضاعت رئاسة الحكومة من بين يديه في وقت كان يمثل فيه قطب الرحى السياسية , سيحصل عليها وهو اقل قوة من ذي قبل , في معادلة سياسية تشبه متناقضة جيفن الاقتصادية .
https://telegram.me/buratha