المقالات

رؤوساء الدول العربية في بكين

1316 11:42:00 2010-03-30

د. حاتم جبار الربيعي*

ظهرت أوراق الأشجار وبزغت أزهارها البهيجة لتنبئ ببداية الربيع بعد إنتهاء فترة الشتاء الشديدة البرودة والطويلة في بكين. وسط هذه الأجواء الجميلة في حواف شوارع بكين وحدائقها توجهنا في نيسان 2007 لحضور دعوة من كلية اللغة العربية في جامعة بكين للدراسات الأجنبية . في مدخل الجامعة وجدنا أمام بوابة قاعة المؤتمرات صف طويل من الشابات الصينيات النحيفات الجسم المبتسمات والمرحبات بحضورنا والمرتديات الملابس الصينية الزاهية الألوان. ودخلنا قاعة المؤتمر فوجدناها ممتلئة بحضور (رؤوساء) الدول العربية كافة بدون إمتناع بعضهم عن الحضور لأسباب سياسية أو المعاملة بالمثل أو لأسباب مرضية أو خوفا من الأنقلاب العسكري على قاعدة "إذا غاب الهر ألعب يافأر". لذلك لانستغرب من غياب عشرة من الرؤوساء عن القمة العربية 22 التي يعقد للفترة 27-28/3/2010 في مدينة سرت الليبية. ولكن وجدنا من يجلس على تلك الكراسي هم ليس الرؤوساء العرب بل شباب يافعين نحيلي الجسم وجوههم مبتسمة ومتواضعة يرتدي بعضهم نظارات طبية على العيون الصغيرة الحجم التي يتميز بها الصينيون . وكان عهدهم بهذه الكراسي قصيرا ربما جلسوا أليها منذ دقائق ولم يفرضوا أنفسهم أو يتمسكوا بها منذ سنوات عجاف بعد أستحواذهم عليها بإنقلاب عسكري وأذاعت بيان رقم واحد، أو بعد وراثة الأب سواء كان ملكا أو أميرا أو رئيسا للجمهورية كما ساد حديثا، بل رشحتهم جامعتهم لتبوئه لأمور علمية وثقافية وتطبيقية.

لقد حضرنا ذلك المؤتمر من خلال دعوة رسمية وجهت الينا وحرصنا على الحضور لرغبتنا بالتمعن بتلك الممارسات العلمية التطبيقية التي لاتمارس في جامعاتنا. وأنعقد ذلك المؤتمر في قاعة كبيرة داخل بناية الجامعة حيث جلسنا على منصة جانبية مع الضيوف وهم السفراء والمستشارين الثقافيين لسفارات الدول العربية في الصين أضافة الى رئس الجامعة وعمداء وبقية المسؤولين، إذ أنتظم الطلبة الذين يمثلون (رؤوساء) الدول العربية بشكل مستطيل طويل الأضلاع. وعند الساعة التاسعة صباحا بدأت القمة العربية بإدارة الطلبة الصينين الذين يدرسون على شهادة البكالوريوس باللغة العربية. وقامت شابة صينية هي أحدى الطالبات تتكلم اللغة العربية بصفتها كمقدم حفل بدعوة السيد (عمرو موسى) أمين عام جامعة الدول العربية لأفتتاح القمة العربية. ونهض بوسط القاعة ذلك الشاب الصيني وأخذ الموضوع المكلف به بكل جدية ليتحدث (لرؤوساء) الدول العربية والحضور عن منهاج ومحاورالقمة وكان خطابه باللغة العربية ممتازا. وأنهى كلمته بالطلب من (رؤوساء) الدول العربية بالتحدث بالمؤتمر وحسب أبجدية اسماء الدول العربية ضمانا لعدم التحيز. وعندها تذكرت كيف أن جامعة بكين للدراسات الأجنبية طلبت من سفارتنا بتدوين حوالي صفحتين باللغة العربية عن العراق والأمور الأساسية التي نود طرحها. وقد كتبنا في حينها مقدمة عامة تعريفية عن العراق وحضارته والتي ألقاها أحد الطلبة الصينين بصفته (كرئيس) لجمهورية العراق. وكان المؤتمر ممتع جدا حيث تحدث الطلبة الصينين باللغة العربية الفصحى ورغم ان عددهم كان أكثر من 100 طالب لكن ساد الهدوء والجدية التامة أجواء القاعة، وعدم ملاحظة اي مجالا للهزل رغم أستخدام الطلبة فيما بينهم بعض أسماء مسؤولي جامعة الدول العربية عند تقديم بعضهم للبعض الآخر.وبعد أستكمال كلمات (رؤوساء) الدول العربية طلب (أمين عام) جامعة الدول العربية بتناول طعام الغداء في الساعة الثانية عشر ظهرا لتستكمل في الساعة الواحدة حتى الساعة الرابعة عصرا الجلسة الثانية والمختصة بمناقشة أوراق الدول العربية التي قدمت بالمؤتمر. وكانت الجلسة الثانية فرصة متاحة للطلبة الذين لم يختاروا للتحدث في الجلسة الأولى إذ كان من واجبهم أثناء ألقاء الكلمات تثبيت بعض الملاحظات لمناقشة (رؤوساء) الدول العربية بإمور مختلفة. وجرى الحوار في عصر ذلك اليوم بشكل ممتع بين الطلبة حتى الساعة الرابعة عصرا لتختتم القمة ببعض التوصيات التي اشرف عليها (أمين) الجامعة و(مساعديه).

وفي عام 2008 غيرت الجامعة عنوان الموضوعات المطلوبة لإلقاؤها في قمة مايسمى بجامعة الدول العربية الجديد لتجعلها عن نظم التربية والتعليم العالي في الدول العربية. وقد أشتركت سفارتنا من خلال الملحقية الثقافية بموضوع بعنوان:نظم التربية والتعليم العالي في العراق وآفاق تطويرهما. والتي ألقيت بالمؤتمر من قبل أحد الطلبة الصينين مع بقية أوراق الدول العربية، متبعين نفس السياق المذكور في المؤتمر السابق ولكن بتغيير المواضيع. وهكذا في كل عام دراسي يتم اختيار موضوع جديد ليعرضه الطلبة في مؤتمرهم.

أن تطوير قابلية اللغة الأجنبية التي يدرسها الطلبة لمرحلة البكالوريوس قد تأتي من عدة طرق كما وجدناها في الصين. فعند زيارتي لجامعة داليان للغات الأجنبية في 9/11/2009 بهدف توثيق العلاقات الثقافية مع الجامعات العراقية، استلمت دعوة من كلية اللغة العربية لحضور إحتفالية تكريمية بمناسبة زيارتي للجامعة. فوجدت بأن الطلبة الصينين يرتدوا الملابس الشعبية والتراثية العراقية والعربية، وأعدوا برنامجا باللغة العربية يتضمن كلمات وأغاني وأناشيد دينية، وبعد أستغرابي عن سبب أختيار تلك الأناشيد قيل لي لأنها تنشد باللغة العربية الفصحى، وإلقاء قصائد عربية وغيرها يشترك بها معظم الطلبة بينما جلس الأساتذه كضيوف. وطلب مني في حينها ألقاء كلمة والأجابة عن استفسارات الطلبة في المجالات السياسية والثقافية والتأريخية التي تخص العراق. وأتضح لي بأن طلبة الجامعة يستغلوا أي زيارة يقوم بها مسؤول أجنبي ليمارسوا فيها إحتفالية مقامة على شرفه ولكن غايتهم ممارسة اللغة التي يدرسونها خلال فترة الدراسة. كما تجد بأن الطلبة الذين يدرسون مختلف اللغات لديهم القدرة على التحدث بها خارج قاعات الدرس ومنذ المرحلة الدراسية الثانية، بعد ان توفر لهم الجامعة فرص ممارسة حوارات او نقاشات بين الطلبة اوأقامة مؤتمرات أو ندوات كما بينا في أعلاه كما يجدوا فرص لمؤتمرات اخرى للطلبة الدارسين باللغات الأجنبية الاخرى.

أما المهرجانات الثقافية فتعقد عادة في كافة الجامعات الصينية سنويا ضمن أيام محددة حيث تجرى داخل أجنحة صغيرة يخصص جناح لعرض المعالم التأريخية والحضارية والثقافية لكل دولة، يقوم بها طلبة الدولة الدارسين بتلك الجامعة بمساعدة السفارة والملحقية الثقافية. ولقد وجدت بإن الأمر مختلف في جامعة بكين عن كثير من الجامعات الصينية التي حضرت مهرجانها الثقافي الثالث في 28/10/2006 أي بعد وصولي الى بكين بثمانية أيام. إذ تفتتح تلك العروض في الساعة الحادية عشر صباحا بينما تستغل الفترة من الساعة التاسعة حتى الحادية عشر صباحا بعقد جلسة رسمية تضم السفراء والمستشارين الثقافين من جهة وبقية الطلبة الصينين من جهة ثانية. ويسمح للطلبة بطرح تساؤلات أو مواضيع معينة باللغة الإنكليزية ليقوم السادة الحضور بالرد عليها معطية أفكار مفيدة و متميزة للطلبة عن آراء الدبلوماسيين في مختلف المجالات السياسية والثقافية والأجتماعية . وكانت هذه الندوات تدار من قبل مختصين في الجامعة ليبلوروا تبادل وجهات النظر وطرح مواضيع مثل العلاقة بين الأستاذ والطالب ودور الطالب بالجامعة وعلاقة الجامعة بالمجتمع وغيرها.

ومن خلال اشتراكنا في النشاطات التي تقوم بها الجامعات الصينية توصلنا الى قناعة بأن الجامعة مرتبطة بالمجتمع الصيني وبنفس الوقت تعطى فكرة عن المجتمعات الأجنبية وانها تعد قادة ومسؤولين وليس خريجين. إذ تولد تلك الممارسات الثقافية لديهم الثقة العالية بالنفس وتوسع مداركهم بعد معرفتهم بثقافات وسياسات مختلف دول العالم وتعطيهم القدرة على الحوار والأستماع للآخرين، كما وجدت بأن بعض الطلبة يطرحوا افكارهم وملاحظاتهم على الدبلوماسيين وكأنهم اساتذتهم او زملاء لهم يشاركونهم قاعة الدرس. وحتى أحتفاليات تخرج الطلبة تتم عادة بحضور السفراء والمستشارين الثقافين لمختلف دول العالم لأعطاؤها اهمية كبيرة خاصة وأن وسائل الأعلام تهتم بهذا الحضور الدبلوماسي.أن التواصل مع المجتمع ليس مختصرا بطلبة الجامعات بل تجده مع طلبة الدراسة الأبتدائية أو الثانوية إذ تقوم عادة تلك المدارس بزيارت ميدانية لمواقع ثقافية مهمة ومن ضمنها السفارات والملحقيات الثقافية. فعلى سبيل المثال استقبلنا في مبنى الملحقية الثقافية في عام 2008 وفد طلبة من مدرسة سوان بو الأبتدائية غايتهم التعرف عن بعض الأمور عن العراق ومواطنيه، إذ كانت مهمتهم في حينها أستقبال ومصاحبة وفد اللجنة الأولمبية العراقية التي ستساهم في اولمبياد بكين لعام 2008.

كما زارت سفارتنا وملحقيتنا الثقافية عدة مرات وفود الطلبة الصينين الدارسين للغة العربية في الجامعات الصينية ليستفسروا عن مواضيع مختلفة تخص العراق والثقافة العربية.لذلك تجد بأن بناء الأنسان الصيني يبدا في مراحل مبكرة وحتى قبل الدراسة الأبتدائية كما هو حالهم بالإهتمام بدور الروضة إذ يلتحق الطفل بها من سن ثلاث سنوات  وتنتهي مع بلوغه ست سنوات. وتبلغ نسبة الاطفال الملتحقين برياض الاطفال حوالي 43% من إجمالي الأطفال في هذه السن بينما لاتشكل النسبة، على سبيل المثال، إلا حوالي 7% من مجموع إعداد الأطفال في العراق. ويتلقى الاطفال في الروضة مبادئ أولية في اللغة والبيئة والحساب والموسيقى والرياضة. ويتم تربية الأطفال على  العادات الحسنة من إستقامة وإحترام لمن هو أكبر سنا وحسن التعامل وعوامل أساسية في الثقافة والحياة الإجتماعية الصينية.فما أحوج مدارسنا وجامعاتنا الأعتناء بالشباب إذ أنهم في أي أمة من الأمم العمود الفقري الذي يشكل عنصر القوة والحيوية، ولم تنهض أمة من الأمم إلا على أكتاف شبابها الواعي، وإن دعامتي بناء الشباب هما الإيمان والعلم وقد خصهم الله في كتابه الكريم:بسم الله الرحمن الرحيمنَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (الكهف 13)كما كرم الله تعالى الإنسان وجعل الصالح منهم أفضل من الملائكة:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الأسراء 70). صدق الله العظيم*مستشار ثقافي/الملحقية الثقافية/سفارة جمهورية العراق في الصين

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ضرغام العميدي
2011-02-21
شكرا طيبا للسيد المستشار وعلى المشاركات التي تدل على ابراز الوجه المشرق لبلدنا العراق وكم نتمنى ان نطلع على ثقافات الشعوب ونحن بامس الحاجة اليها وكيف يتربى النشئ الجديد وتبقى الاخلاق القاسم المشترك بين الشعوب مرة اخرى شكرا
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك