النائب في البرلمان العراقي السابق عبد الله صالح
لاشك ان الانتخابات العراقية التي جرت في 7 اذار..ومهما تكون نتائجها ..هي عملية ترسيخ لمفهوم حديث في منطقتنا تختلف عن المنطق السائد بتداول السلطة ، ونأمل أن تترسخ هذه التجربة الفتية وتتنقى من الشوائب التي رافقتها . وطبيعي ان العملية الأنتخابية في البلدان الديمقراطية تتطبع بطابع مجتمعاتها ..وهي كعملية اجتماعية في المجتمع العراقي تعطي نتيجة مرحلية لما يعيشه هذا المجتمع وما يمتلكه من وعي وما لديه احاسيس..ومن هذا المنطلق يمكن تثبيت الأستنتاجات الواقعية التالية من هذه الأنتخابات..
اولا - ان المكونات الأجتماعية للمجتمع العراقي لازالت تبحث عن ترتيب اوضاعها داخل المكون .. وكل المكونات وخاصة الرئيسة منها افرزت نتائج انتخابية مستندة على الاوضاع الداخلية للمكون نفسه .. بغية تحسين الاداء والوضع العام للمكون الاجتماعي داخل الدولة العراقية ، لكي يكون لها قاعدة اكثر فعالية للانطلاق نحو خلق مفهوم الهوية العراقية الجديدة بعيدا عن المفاهيم البالية والشعارات البائسة .
ثانيا - بالتاكيد ان مفهوم الهوية العراقية الحديثة لن يكون كما كان سائدا ، فالمفهوم الحديث سوف يكون منبثقا من الدستور العراقي الدائم والمتطور جدا ، واهم صفات هذا المفهوم هو انه يتكون من جزئيات كثيرة ودقيقة اي انه يكون مفهوم مركب وليس مفهوم بسيط يعتمد على مستوى افقي واحد وعمودي واحد .. لن يكون الانتماء الى اقليم او الدفاع عن حقوق دستورية لمحافظة غير منتظمة في اقليم مقابل العاصمة ( الحكومة الاتحادية ) خيانة ولا تقليلا من الوطنية ... بمعنى ان الفكر والوعي الاجتماعي للعراقيين سيتطور بانماط مختلفة وسيكون هناك صراع فكري واجتماعي حول خلق مفهوم هذه الهوية .
ثالثا - ظهر من الدعاية الانتخابية وما ترشح عن نتائج الانتخابات بوضوح ان هناك قوتان كبيرتان متصارعتان ..
1- قوة ( اكثر من تحالف انتخابي ) ترغب بالمركزية المعيقة للتنمية، ودولة تعتمد على المستوى الاداري العمودي الخارق لجميع المستويات الادارية الافقية ( الاقاليم ، المحافظات غير المنتظمة في اقليم ،الادارة المحلية) وهذا يعني تغييرا كبيرا في الدستور وارجاع الدولة العراقية الى دولة بسيطة التركيب ، وبالتالي خلق مفهوم هوية وطنية مبسطة .
2- قوة كبيرة ( اكثر من تحالف انتخابي ) ترغب بالحفاظ على الدستور والدولة الاتحادية ذات المستويات الافقية الاربع ( العاصمة ، الاقاليم ، المحافظات غير المنتظمة في اقليم والادارات المحلية ) وخلق هوية وطنية جديدة مركبة حسب المستويات الادارية الافقية الاربع المذكورة في الدستور ، وقيام السلطات الاتحادية ( العاصمة ) بمهامها المنصوص عليها في المادة 110 من الدستور وترك ما عداها الى المستويات الادارية الاخرى ، كل حسب صلاحياتها .
مما سبق فانني اتصور ان ساحة المعركة الرئيسية ستكون تحت قبة مجلس النواب العراقي ، فالقوة الاولى ( المركزية المعيقة للتنمية ) لن تستطيع ان تنفذ برامجها ان شكلت الحكومة لانها تتعارض مع الدستور ، ولن يكون مقبولا منها الانقلاب على الدستور ، ناهيك عن عدم تمكنها من تعديله لاسباب مذكورة فيه ، ولهذا اتصور انها ستضطر الى مخالفة برامجها الانتخابية وتعمل وفق الدستور، وهذا سيؤدي الى احد احتمالين ، اما ان تؤدي هذه المخالفة للبرنامج الى تطوير وعي ناخبيها باتجاه مفهوم الهوية العراقية الحديثة والدولة المركبة ، او الى فقدانها لمصداقيتها عند ناخبيها، وكلا الاحتمالين سيكون في صالح الدولة العراقية الحديثة . عندها ستكون الفرصة كبيرة للقوة الثانية الحامية للدستور والمؤمنة بالدولة المركبة وسلطات العاصمة ، لان تهتم بصلاحياتها وتساعد الحكومات المحلية في الاقاليم والمحافظات بتطوير قابلياتها ، حيث انها الوسيلة الوحيدة للتنمية السريعة والامن الشامل والحماية الاجتماعية الامثل ، وستكون هذه القوة هي الرائدة ، والافاق امامها ستكون واسعة وستكون هي المنتصرة
https://telegram.me/buratha