محمود الربيعي
الحلقة الأولىتوطئةفي هذه المقدمة سنأتي على ذكر الجانب القصصي والإخباري في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام وهو ماورد في رواية الثقة المحدث الشيخ محمد بن يعقوب الكليني في روضة كتابه الكافي، ثم التعليق االسريع على الفقرات التي وردت في حديث الإمام عليه السلام، وقد حاولنا توزيع الحديث على أجزاء لطوله بحيث أن كل جزء سيتضمن حوالي إثنا عشر الى أربعة عشرة فقرة من الفقرات الصغيرة، وحاولنا الإستفادة من القواميس والمعاجم اللغوية لتوضيح بعض العبارات التي يمكن أن تسهل على القارئ فهم بعض الألفاظ بشكلها البسيط وأرجو أن يتسع لذلك صدر المتتبع والمهتم بشؤون الأبحاث عن المهدوية فإن التواصل مع الموضوع لايخلو من فائدة كما يمكن لنا إستقراء الأوضاع الحالية والمستقبلية التي تعطي بلا ريب تصوراً شفافاً عن طبيعة عصر الظهور المبارك والذي يمكن أن نكون نحن نعيش فيه أو أننا على مقربة منه والله أعلم وسياتي تفصيل ذلك إنشاء الله عندما نتناول العامل الزمني بشكل خاص وفق المعطيات والرؤى العلمائية. يتميز كلام أئمة أهل بيت العصمة والطهارة بالبلاغة والفصاحة ولقد أشتهر عنهم صدق الحديث وجماله وماأروع ماقالوا.وفي معرض حديثنا عن كلام الإمام الصادق عليه السلام في وصف الحال والأحوال آخر الزمان وردت عبارات مهمة تمتزج بالبلاغة والصدق كعبارات ( فإذا رأيت الحق قد مات، ورأيت الدين قد إنكفأ ) إلى غير ذلك من العبارات البليغة كالإشارة الى الجور، وتحريف القرآن، و إستعلاء الباطل، والفوضى الجنسية، وأوضاع المؤمنين والفاسقين، وأخرى تشير الى التغير في طبيعة العلاقات الإجتماعية، لكن الإمام عليه السلام ورغم كل هذه التداعيات فإنه يبشر بالفرج.جزء المقدمة التأريخية ( رقم 1 )جزء النص الروائي لحديث الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام الذي ورد في روضة الكافي ويتضمن جزءه الأول الجانب القصصي بينما يتضمن جزءه الثاني الجانب الإخباري:وفي روضة الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز، ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك، فنصرتنا بك وبهم قال: فقلت: ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال: أتحلف على ما تقول؟ قال: فقلت: إن الناس شجرة بغي يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا، فقال: تذكر يوم مسألتك: هل لنا ملك؟ قلت: نعم طويل عريض شديد، فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ الحديث فقلت: لعل الله عز وجل أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته، ثم لعل غيرك من أهل بيتك أن يتولى ذلك فسكت عني.فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك، والله رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس وقد (كان) يكلمك كأنك تحته فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به، وهذا الآخر الذي يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه على حمار، فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي قال: لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال: الآن سكن قلبي ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أن لكل شيء مدة؟ قال: بلى، فقلت: هل ينفعك علمك إن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين، إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا، ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد مما هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون. ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غدا في زمرتنا؟ فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفي الماء ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته ورأيت الصغير يستحقر الكبير ورأيت الأرحام قد تقطعت ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة ورأيت النساء يتزوجن بالنساء.من علامات آخر الزمان تفصيل ذلكالأول منها: فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام: وفي حديث الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام تشخيص لمرحلة مهمة من مراحل التحول التاريخي وفيها الفرج (حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام).فالدم الحرام إشارة الى قتل النفس الزكية وذبحه بين الركن والمقام في 25 من ذي الحجة الحرام في بيت الله الحرام وذلك قبل 15 ليلة من قيام القائم عليه السلام وهو من أصحابه وأرحامه.الثاني: فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد: وهذه الظواهر إحدى العلامات العامة التي تشير الى آخر الزمان وتتلاقى مع حديث ( ثم يظهرهُ الله تعالى ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ).الثالث: ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء: ومن لسان العرب: وكُلُّ جَدِيدٍ صائِرٌ لِخُلُوقِ، ورِداؤه خَلَقٌ، وجَيْبُ قَميصِه مَرْقُوعُ، وشيءٌ خَلَقٌ: بالٍ.ويشير الحديث الى محاولات التلاعب بالقرآن وتفسيره وتأويله بحيث يفقد المجتمع جميع المنافع التي تترتب على تعاليمه ومعانيه وآدابه.الرابع: ورأيت الدين قد إنكفأ كما ينكفي الماء: أي أن الفكر الديني سيواجه حالات من الإستعداء والمحاربة والمنع.الخامس: ورأيت أهل الباطل قد إستعلوا على أهل الحق: إشارة الى الحملات الظالمة الموجهة للمؤمنين، على مستوى الدول والشعوب والأفراد.السادس: ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه: ومن صوره جرائم القتل والسرقة والإعتداء على الأعراض، ونشر الخوف والرعب، و تبريرسلوك الأشرار بما في ذلك الفساد الإداري والمالي والسياسي.السابع: ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء: ومن مظاهر الفسق إنتشار الفساد وإقامة العلاقات الجنسية الشاذة، والمحرمة عموماً. الثامن: ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته: ومن مظاهر المستضعفين في الأرض صمت المؤمن الذي يصبح غريباً في قومه ولايقبل كلامه بينما يصدق الفاسق حتى ولوكان كاذباً.التاسع: ورأيت الصغير يستحقر الكبير: وهو خلاف ماجرت عليه العادة وحَكَمَتْ به الطبيعة البشرية من إحترام الصغار للكبار.العاشر: ورأيت الأرحام قد تقطعت: بسبب الكفر والفساد والنفاق والتغير في العادات والتقاليد.الحادي عشر: ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله: ومنها الحرية التي يتمتع بها الفاسق الذي يُمْتَدَح على أفعاله السيئة دون أن يبدي له أحد أي وجه من وجوه الإستنكار. الثاني عشر: ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة ورأيت النساء يتزوجن بالنساء: وفي لسان العرب معنى الغلام إِذا اشتدّ وقوي وخَدَمَ؛ الليث: أَحْلَفَ الغلامُ إذا جاوَز رِهاق الحُلُم.إشارة الى التصدع في العلاقات الإجتماعية، وإنتشارالممارسات الشاذة في العلاقات الجنسية بسبب الكفر والفسوق والعصيان والإبتعاد عن الدين.
خاتمةإن ماتمر به البشرية من الصراعات السياسية والعسكرية والعقائدية أثركثيراً على الأوضاع الإجتماعية في العالم وتمخض عن ذلك إقصاء للدين عن السياسة والحكم أدى الى تعطيل أحكام القرآن، وظهور مشاكل إجتماعية كثيرة.وإن التغير الحاصل في العقيدة والسلوك وطبيعة العلاقات الجنسية أدى إلى تفكك العلاقات الأسرية والإجتماعية، ولكن في نفس الوقت يتجدد الأمل بظهور المنقذ أمل المستضعفين في العالم ليبدأ بمشروعه الإصلاحي وليقيم دولته العادلة وهو الخبر الذي أجتمعت عليه الأديان، وأقتضته الضرورة العقلية .
https://telegram.me/buratha