قاسم العجرش
يعتقد البعض أن مصطلح الدولة الفاشلة يطلق على الدول التي لا توجد فيها سلطة مركزية قوية تربط مختلف السلطات حتى تعمل كل فروع الدولة في تناسق وانسجام لينساب القرار السياسي والقوانين والأمن في فروع البلد. غير ان هذا التعريف للدولة الفاشلة لا ينطبق في توصيفات كثيرة على كثير من الدول، فهي تستحق وصفا أكثر دقة، ومن بين تلك الدول دولتنا التي بنينها عقيب تغيير نيسان 2003 القسري على أنقاض نظام هو من بين آخر الأنظمة الشمولية القليلة الباقية في العالم، فمع وجود حكومة مركزية قوية يمكن أن نجد أن سمة هذه الدولة هي الفساد والمحسوبية وعدم احترام القانون ، حيث تكون الصورة العامة موحية بوجود دولة، ولكن آليات عمل هذه الدولة تفتقد الفعالية والقوة، وعليه فإن هذه الدولة تكون كمَن يهرب من الواقع، لأنها تضخم في إنجازاتها وقوة مؤسساتها الظاهرية، ولكنها في الواقع وحقيقة الامر هي دولة فاشلة، فالفشل نسبي وليس مطلقا.والحاصل ان معظم الأنظمة الحاكمة تعترف بوجود مشاكل لا تختلف عن المشاكل التي تواجهها أنظمة اخرى لكنها، وفق هذا الرأي، لا تشكل بأي حال عرضاً من أعراض الدولة الفاشلة، إن الحجج والأرقام تبين ان حالة الانهيار في الدولة الراهنة تؤهلها للانضمام إلى قائمة الدول الفاشلة التي تسودها الفوضى وانهيار القانون وانتهاك سلطة الدولة. إذ ترسم حزمة من التقارير الدولية والبيانات المحلية، صورة تدعو للإحباط ما ألحقته السياسات التجريبية والقرارات الغير منهجية التي أصدرتها سلطة الإحتلال أولا وتلتها الحكومات المتعاقبة على ذات المنهج بحال مستقبل العراق والعراقيين، والمحصلة على الأرض مرعبة ومريعة، وقائمة الأوجاع تبدو طويلة وممتدة، من انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وانخفاض مستوى المعيشة، وانتشار الرشوة والفساد والعمولات والاثراء غير المشروع من نهب ثروات الشعب التي أؤتمنت عليها الدولة والنظام الجديد، والعنف والجرائم وانتشار العشوائيات، هذا ناهيك عن المؤشرات الاقتصادية، من ارتفاع معدلات البطالة التي بلغت نسبتها 25% بين الشباب ، وازدياد الركود الاقتصادي وتدني معدلات الانتاج المحلية الاجمالية، وتدهور قيمة العملات نتيجة العجز في موازين المدفوعات مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدل الاحصائيات ان نسبة كبيرة من مجموع السكان يعيشون دون المعدل العالمي للفقر.وتمظهرت نتائج الفشل على شكل هزات أمنية عنيفة، وفلتان لعقال القوة وحرب اهلية لم نجرأ جميعا على تسميتها بهذا الإسم كانت بمثابة الوسيلة الوحيدة بيد القوى المتناقضة للإنتقال إلى نمط جديد من التفاعل بين المكونات الوطنية، بدلا من التوجه نحو منهج عقلائي متفق عليه وطنيا يصارعلى اساسه اعادة تعريف الوطن بوصفه الوعاء الجامع لكل المكونات، ليصبح الحيز أو الأمكنة، التي تخص جماعة إسمها العراقيين، وليس حيزا يجمع السنة والشيعة مع توصيفات فرعية عرب وكرد وتركمان، وإمتدادات عشائرية رقت الى مستوى تسمية الإمارات! حيث أعلنت قبائل كبيرة أن لكل منها أمير بعقال مذهب وبأزلام ومجموهة مسلحة كأداة للتمظهر الإماراتي! وبورك ذلك رسميا من الدولة في خطأ نكوصي سندفع ثمنه لاحقا برجوع إرادي الى حيث مجتمع الإقطاع، إن لم يكن أبعد من ذلك الى حيث مجتمع الربابة وخيمة الشعر !! لكن مشكلة الظاهرة الموصوفة أعلاه تتضح في انها لا تظهر فجأة ودون مقدمات، بل هي نتيجة تراكمات طويلة للمشاكل التي يفرزها الاحتقان السياسي وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وصعود طبقة نخبوية إلى قمة المجتمع والسلطة والنفوذ السياسي مع انحدار وتلاشي الطبقات الاخرى، مما يساهم في تعميق مشاعر الظلم والتهميش الاجتماعي الذي يساهم بدوره في تفجير الوضع العام.ولعل من ابرز مظاهر انتقال الدولة نحو الفشل، الاعتماد المكثف على القوة الامنية والقوانين المفصلة على المقاس لادارة امورها، والتعامل مع الافراد والتنظيمات الشعبية التي لا تتوافق معها على وفق (إذهب بلط البحر)، وهذا الاسلوب يعزز الشعور بالقمع والظلم الذي يسارع بالانفجار والانهيار.ولم يكن ذلك يجري بمعزل عن المحيط المجاور والمحيط الأبعد، فلقد درجت معظم التقارير الدولية في الآونة الأخيرة على التحذير من حقيقة ان منطقة قوس الازمات، الممتدة من شرق المتوسط إلى افريقيا جنوب الصحراء، تشكل المصنع الأكبر لانتاج الدول المرشحة للفشل،وكنا من بينها مع الأسف، وبدلاً من ان تتم الاستفادة من تجارب الجوار والمحيط، ويصار إلى معالجة مظاهر الخطر التي باتت متجذرة، فقد جرى إهمالها، أو التعامل معها على انها نوع من السياسات العدائية (نظرية المؤامرة)، في حين ان الواقع يقول ان الاستمرار على هذا الوضع هو المؤامرة بعينها. فهل تنتظر النخب السياسية في العراق الانزلاق نحو الفشل التام لتغيّر من نمطية سلوكها وأدائها تجاه مجتمعاتها في المرحلة المقبلة التي يمكن تأشير بدايتها في 7 آذار المنصرم، أم أن المرحلة الجديدة ستكون إمتداد لما سبقها من زمن نصفه رديء ونصفه الآخر مؤلم وكلاهما محبطان؟!
https://telegram.me/buratha