المقالات

النظام الانتخابي العراقي المريض وموقعه من العدالة

1581 22:15:00 2010-03-21

قاسم العجرش

في خضم الحديث عن الإنتخابات النيابية العراقية وما ستتمخض عنها من نتائج، فإنّ أحد المعايير الرئيسة في تحديد صيغته ووجهته والمسار الذي سيتخذه يكمن في طبيعة النظام الانتخابي، الذي يمكن أن يشكل رافعة للعملية السياسية أو تفريغاً لها من مضمونها، ويمثل في الوقت نفسه "لعبة الساسة" في التحكم بالعملية الانتخابية.المشكلة الحقيقية أنّ كثيراً ممن يخوضون في حديث الإنتخابات وقوانين الانتخاب لا يمتلكون الحدّ المعرفي الأدنى اللازم للمقارنة وتحديد الصيغة الأنسب لهذه القوانين التي تتلاءم مع مجتمعات ونظم سياسية معينة، وهو ما يجعل الحديث في الأغلب الأعم ضحلاً، بلا مردود حقيقي في النقاش والحوار، ما يدفع في هذا السياق إلى بناء إطار عام حول النظم الانتخابية يساهم في ترشيد النقاش.ذلك أنّ "التمثيل الانتخابي" هو الطريق المعبّدة لتحقيق الديمقراطية "حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب"، والنظم الديمقراطية يجب أن تحظى بالشرعية السياسية والشعبية في آن، وتحقق قدرا كبيرا من العدالة، والتي تعني تطابق قيم النظام السياسي مع قيم المواطنين، والتي تنجم عن التمثيل الصحيح من جانب وتلبية الاحتياطات والمتطلبات من جانب آخر.من هنا تتبدّى أهمية النظام الانتخابي وفعاليته في أي مجتمع مدني ديمقراطي، ولكن أحيانا تحول عوامل وظروف دون تحقيق ذلك، مثل، السعي لإنجاح تيار سياسي معين أو حزب، أو تأثير قوى دولية، أو أطراف إقليمية "دول مجاورة"، أو حالة تاريخية تعيشها دولة ما.النظم الانتخابية تعتبر احد أهم القرارات الصادرة عن النظم السياسية وهي الأكثر عرضة للتلاعب أو التغيير من قبلها لأنها تحوّل مجموع الأصوات إلى مقاعد برلمانية "نيابية" فالنظم الانتخابية هي الأكثر تأثيراً على الحياة السياسية في أي نظام سياسي، وهناك أحيانا عدم معرفة أنواع النظم الانتخابية التي تتناسب مع المجتمع، وأحيانا عكس ذلك حيث يتم اختيار النظام الانتخابي من النخب الحاكمة بما يتناسب مع غاياتها وأفكارها وتياراتها السياسية.وإذا ما نظرنا إلى أنواع النظم الانتخابية في العالم فلا تتعدى أن تكون تحت مظلة النظام الاكثري أو النظام النسبي، إذ ينقسم هذان النظامان إلى نظم انتخابية فرعية عديدة منها: الدائرة الفردية، والتصويت على اللوائح على أساس أكثري، والصوت المحول، ونظام الدورتين، والنظام المتوازي، والصوت المحدود، والصوت المحول والنظام النسبي، والنظام المختلط، والصوت المتحول على أساس النظام النسبي، وأشهر هذه الأنظمة تطبيقاً على المستوى العالمي هو نظام الدائرة الفردية وبنسبة 33% من الدول، ويليه النظام النسبي وبنسبة 32% من الدول وفي المرتبة الثالثة يأتي نظام الدورتين وبنسبة 15% من الدول.

إن النظام الاكثري يعتمد على طريقة اقتراع يفوز بموجبه الذي يحصل على اكبر عدد من الأصوات، ومن الممكن إن يكون نظاماً اكثرياً على أساس الصوت الواحد، أو الصوت الجمعي التصويت لعدد من المرشحين في الوقت نفسه وفي كثير من الأحيان النظام الاكثري يتألف من دوائر ذات مقعد واحد أو ما يدعى بالدائرة الفردية، أو الاقتراع الاكثري في الدائرة المتعددة المقاعد.يعتبر النظام الانتخابي على أساس الدائرة الفردية من ابسط وأسهل أنواع الأنظمة الانتخابية، ويمتاز بحسنات ومزايا عديدة منها: يجعل التنافس بين طرفين خصوصاً إذا ما طبق في الدول ذات الثنائية الحزبية ويؤدي لحكومة الحزب الواحد، إذ تؤدي مثل هذه الحالة تماسك المعارضة الحكومية، وتطبيق هذا النوع من النظم الانتخابية يمنع الأحزاب والقوى المتطرفة من التمثيل البرلماني، ويؤدي إلى التواصل بين المرشحين والناخبين، ويعطي هذا النظام القدرة في المفاضلة بين المرشحين، ويمنح المستقلين فرصه اكبر في المنافسة.أما مساوئ هذا النظام وسيئاته فيمكن إيجازها بالأمور التالية: فقدان لعدالة التمثيل، وإقصاء النساء من البرلمان، وإقصاء الأقليات من التمثيل العادل، وزيادة حدة التنافس العرقي، أو الجهوي المناطقي، أو العشائري، وإهدار نسبة كبيرة من الأصوات "الأصوات الضائعة" واتساع مجال التلاعب بالحدود الانتخابية من خلال آليات تقسيم الدوائر وتصميمها لفوز مرشحين بعينهم.النظام السياسي بصورة عامة يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في رسم قواعد اللعبة الديمقراطية، وتقع عليه مسؤولية وضع النظام الانتخابي إن كان جيداً او سيئاً.النظام الإنتخابي العراقي الحالي نظام مصمم لخدمة الفئات السياسية وليس لتحقيق رغائب المقترعين، وهو بالحقيقة لا يتوفر على الحد الأدنى من العدالة في إحتساب الأصوات وأعادة توزيعها، ولعل من أخطر مخرجاته هو ذهاب أصوات المقترعين الى مرشحين لم ينتخبونهم أصلا، ومعنى هذا أن هناك أصواتا قابلة للتحويل بأتجاهات حتى خارج القائمة التي يرغب الناخب الأقتراع لها، وليس من العدالة بشيء أن تنقل أصوات القوائم الخاسرة أو التي لم تتجاوز ما يصطلح عليه بسعر المقعد الى قوائم أخرى، وبالمناسبة فأن (فرية) سعر المقعد شأن تفرد به النظام الأنتخابي العراقي المشبوه المرامي والأهداف، وهي محصلة تعني زيادة قوة الأقوى بأعتدة غيره وغالبا ما يكون (الغير) هو الخصم السياسي، وتلك مفارقة يأباها العقل ، ولكنها لعبة مصمم العملية السياسية وبلالتأكيد فأن مصمم العملية السياسية له أهدافه التي هي لييست أهداف المواطنين بالضرورة، ومعنى هذا أيضا أن العملية تفرغ من ني=سبة كبيرة من محتواها.إن أمام القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين والقوى السياسية مهمة (قتالية) قادمة، يجب أن تؤدي في نهاية المطاف الى إنتصار عدالة التمثيل النيابي عبر إنشاء نظام إنتخابي عادل تماما يوفر للمواطنين قدرا كبيرا من الإطمئنان الى أن من سيعتلي ناصية التشريع لسنوات أربع هو من أختاروه فعلا، لا من إختاره مصمم النظام الأنتخابي المريض...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك