بقلـم : مصطفـى مهـدي الطـاهـر
في ايام ذكرى انتفاضة 1991 العظيمة‘ سطر العراقيون فيما بات يعرف بيوم الحناء ويوم العرس البنفسجي من هذا الشهر‘ ملحمة قل نظيرها بل لا نظير لها في العالم اجمع‘هي ملحمة الانتخابات ‘فلم يعرف عن شعب خرج للانتخابات ماشيا تحت ازيز الرصاص وفرقعة العبوات وانفلاق الصواريخ في تحد واضح وجريء لقوى الارهاب ومنظمات القتل والرذيلة.
مع ان هذا التحدي والاصرار من قبل العراقيين لممارسة حقهم الانتخابي‘يبدو مشهدا رائعا يدعو للفخر والاعتزاز ‘لكنه ينطوي على ماينغص النفس ويقلقها ‘ لااريد طبعا ان اتسبب بالقلق لشعبي الذي اريد له السعادة والابتسامة على وجهه على الدوام ‘فيكفينا ماعانينا من الام وعذاب وتعذيب‘ لكن التأشيرعلى طفح لغرض معالجته وابراء الجسد منه‘ خير من تركه ليستفحل فيذهب بالجسد كله‘ والطفح هنا هو مااظهرته نتائج الانتخابات حتى هذه اللحظة من اصطفاف قائم على اسس تدعو للقلق الشديد واليقظة والحذر التامين‘ فلم يخرج قسم من الشعب العراقي بدافع مصالح البلاد العليا او ايمانا منه ببرنامج فيه صالح الوطن والمواطن!! ببساطة ان الانتخابات ابرزت شرخا واضحا في المجتمع العراقي وتخندقا يجب التوقف عنده والتفكير به مليا‘ لايجاد الحل او الحلول الناجعة لتحجيمه ورأبه قبل ان يستفحل ولكن ليس بالتنازل والتفريط بالحقوق.
في هذه الانتخابات كل الكيانات رفعت شعارات وطنية وضمت مرشحين من شرائح مختلفة من النسيج الاجتماعي العراقي‘ ومع هذا تحرك البعض خلف بوصلة لاتتجه نحو خدمة العراق كبلد ‘ بل انها تخدم اجندات معينة تتعدى حدوده!! ونظرة على ماافرزته الانتخابات في الرصافة في بغداد وماافرزته في الكرخ فيها ‘ يمكن ان نستنتج هذا الانطباع بسهولة.
الامر الاخر الذي يجب التأشير عليه هو ان الناخب رغم المخاطر الجسيمة التي تحملها ‘ وانه حمل روحه على كفه وخرج للانتخاب الا انه لو كان قد ارتفع بمستوى تفكيره السياسي لما بعثر اصواته هنا وهناك على كيانات متعارضة تماما في اجنداتها‘مما يعني ان ولادة حكومة قادرة حقا على خدمة المواطن والحفاظ على البلاد من الوقوع في المزالق ‘اصبح امرا عسيرا للغاية‘ فلو ان الغالبية من الشعب اعطوا اصواتهم لكيان او جبهة واحدة لَمّكنها من تشكيل حكومة استحقاق انتخابي دون الحاجة الى استجداء تاييد الاخرين والرضوخ لشروطهم التي غالبا ماتكون شروطا بعيدة عن مصالح البلاد والشعب عامة.
اذن في ظل نتائج الانتخابات‘ التي تُقّطّر بها علينا مفوضية الانتخابات كل يوم ‘والحق انها معذورة الى حد ما‘ لانها إما ان تستعجل باعلان النتائج شرط ان لاتتعرض للطعن او ان تاخذ الوقت الكافي للتدقيق والتمحيص تحت المراقبة الدائمة والبت بالشكاوى حتى لاتتعرض للطعن وبالتالي الطعن بنتائج الانتخابات كليا وسلبها شرعيتها وهذا ماتريده بعض الدوائر وما خططت له سلفا‘ اصبح تشكيل حكومة بالسرعة التي يتمناها غالبية الشعب امرا ليس بالسهل وهو السبب في تعسير ولادتها‘ بل اعطى لبعض الجهات التي لايهمها سوى مصالحها الخاصة والفئوية‘ ذريعة او ذرائعا للمطالبة بتشكيل حكومة محاصصة على اختلاف مسمياتها واتجاهاتها او حكومة توافقية او يغلفونها باسم ظاهره جميل وباطنه لايعدو كونه محاصصة هو حكومة وحدة وطنية!! التي جعلت البلاد تدور في حلقة مفرغة لاربع سنوات خلت ‘لم يستطع خلالها المواطن العراقي ان يعرف هل ان بلاده يديرها رئيس وزراء كبقية الدول التي يتولى فيها رؤساء الوزراء السلطة التنفيذية ‘ ام ان الوزراء وكياناتهم هم الذين يُسيّرون رئيس الوزراء!!!
فحكومة لايستطيع رئيس وزراءها اقالة وزير غير كفوء او غير نزيه لايمكن لها ان تخدم البلاد والعباد ولن تكون لها هيبة بين دول العالم ولايمكنها تنفيذ القوانين وتطبيق الدستور‘لانها ستكون حكومة مشلولة من داخلها.
جميل ان تكون هنالك حكومة توافقية‘ ولكن في بلد يواجه تحديات امنية جمة‘ويتعرض لاجندات تخريبية هائلة محلية واقليمية ودولية وكثير من سياسييه يضع رجلا مع الحكومة واخرى مع مناوئيها‘ تصبح التوافقية وبالا عليه لان اوانها لم يحن بعد‘ لذا على الكتلة الاكبر في البرلمان القادم ان تشكل حكومة استحقاق انتخابي وان لا تخضع للضغوط مهما كان مصدرها ‘ وان لاتخذل الشعب الذي انتخبها بالاذعان لاصحاب الاجندات الهدامة الداعين لتشكيل حكومة محاصصة او توافق او مايسمى حكومة وحدة وطنية!!
ان اصرار الكتلة الاكبر في البرلمان القادم على ان تكون الحكومة القادمة هي حكومة استحقاق انتخابي ‘انما هو احترام لارادة المواطن ووفاء بالوعود والعهود على خدمته‘ وان اي تنازل تقدمه وتحت اية ذريعة انما هو احتقار له ونكث للعهود ونكوص عن الوعود‘ واعادة البلاد الى الحلقة المفرغة التي بقيت تدور فيها طيلة الاربع سنوات المنصرمة...
https://telegram.me/buratha