حافظ آل بشارة
تحول فرز الاصوات في الانتخابات التشريعية الى ملحمة وطنية خطيرة تحتاج الى هوسة ونخوة ووقفة تاريخية لكي تتم بسلام ، ومع التقطير المؤلم في اعلان النتائج اصبح واضحا سلم القوى التي ستهيمن على البرلمان المقبل من الاعلى الى الادنى ، ومن المستبعد ان يستفيد اغلب السياسيين من سيل المواعظ المجانية التي القتها في اسماعهم نتائج الانتخابات ، ستبدأ مشاورات الكتلة الاكبر حسب الدستور لتشكيل الحكومة ، وسوف نرى التذابح لاجل الوصول الى حصة افضل في الحكومة ، الناس في الشارع من حقهم تقديم نصائح للسياسيين حول التشاور لتشكيل الحكومة لان هؤلاء الاخوة وصلوا الى البرلمان باصوات الناس ، واذا كان عقد الحكم يتشكل من طرفين فيفترض ان المواطن هو الطرف الاقوى من ناحية فرض الشروط لان الانتخاب بيعة وصاحب البيعة هو الشعب ، لكن اتضح ان الشعب ليس هو الاقوى فقط في مجال البيعة ومنح الشرعية للحكم بل هو الاقوى حتى في ثقافته السياسية ، كنا نتصور ان النخب هي الاكثر ثقافة واطلاعا وفهما لدقائق الامور وهم الخواص وغيرهم العوام ولكن الواقع يعطي مؤشرات عكسية ، هناك استفتاءات ميدانية تعطي انطباعا مؤكدا بان الشعب يريد اغناء التجربة بأن تتعادل كفة القوى الحاكمة أي التي تشكل الحكومة مع كفة القوى المعارضة التي تكتفي بدورها النيابي لتمارس التشريع والرقابة على السلطات الاخرى ، الغريب ان القوى السياسية كلها تريد المشاركة في السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء لاننا بلد يتكون تاريخه السياسي من رئاسة بلا تشريع ولا قضاء فهم يرون السلطة التنفيذية اكثر السلطات سطوة وثروة و(كشخة) وهي مرتبطة تاريخيا بمكونات العقل الباطن لذوي الطموح السياسي ولا يمكن ان يظهر منافس لجاذبية السلطة التنفيذية في الذهن السياسي العراقي مهما كان للبرلمان سطوة وصلاحيات وحصانة واموال ودور رقابي ، كذلك السلطة القضائية رغم انها صاحبة اكبر هيمنة على السلطات الاخرى لكن رصيدها التاريخي من (الكشخة) اصبح صفرا في بلد الزيتوني فلا يقتنع احد انها سلطة بالفعل ، لا يصدق احد من الناس ان السياسيين يتنازعون على السلطة التنفيذية من باب التنافس على عمل الخير والتسابق لخدمة الناس وكسب الثواب ، انهم يتنافسون عليها لان رائحة السلطة فيها اقوى . هذه واحدة من المواعظ التي لايهتم بها السياسيون ، الناس يعتبرون القوى المعارضة داخل البرلمان صاحبة سلطة حقيقية ، سلطة التشريع والمراقبة والمحاسبة والاستعداد لتشكيل حكومة في دورة لاحقة ، هذه ثقافة جماهيرية مناقضة لاوهام النخبة ، هناك اوهام اخرى لا يتسع المجال لذكرها ، قوم ايقضتهم نتائج الانتخابات كانوا يحلمون بكونهم اصحاب السلطة التاريخيين في العراق ، اوهام لذيذة من الصعب التخلي عنها و ضمنها قانون وهمي يقول : لا يحق لاحد من المعدان والشروكية ان ينافسوا على هذا المجد ، جاءتهم الصفعة فاستيقظوا على انفسهم وهم في اسفل السلم ، سيقولون غدا ان الامة كلها غلطانة ونحن الصحيح ، قوم آخرون نائمون على وهم من صنف مختلف لكنه لذيذ انه فشل محبب في الادارة السياسية المعادية للمهنية والتي تعتمد نظام الحواشي والاقطاعيات ، جاءتهم الصفعة فتجاهلوها ولو اجتمعت الجن والانس لاقناعهم بالخروج من دائرة الفشل الى دائرة الاصلاح والتحديث وشجاعة التغيير لما استطاعوا . دورة انتخابية فيها من الصفعات مايكفي لصدم القوى العاجزة عن مسايرة العصر ، ومن اصبح الآن في نهاية السلم او من سار باتجاه النهاية كلاهما يقترب من حافة الارشيف لكي يتحول الى ذكرى وطنية ، هؤلاء بحاجة الى معجزة لكي يومنوا بالاصلاح الجريء ويودعوا لغة الاوهام وينتشلوا مشروعهم السياسي وما بقي من ثقة قبل ان تضربهم موجة جديدة تلقي بهم خارج الزمان والمكان .
https://telegram.me/buratha