حافظ آل بشارة
طريقة لتنظيف الخيمة / حافظ آل بشارة hafizbshara@yahoo.comمازال جيران العراق من كل الاتجاهات يتفرجون على مايجري بعد الانتخابات ويترقبون دورة حكم ديمقراطي جديدة هي الثانية في حياة هذا البلد ، هناك عواصم شقيقة فعلت المستحيل لافشال التجربة وما زالت تحلم بتحقيق ذلك الفشل ، بينما هناك شعوب في المنطقة تتحسر وتحلم ان تهطل عليها امطار الديمقراطية كما هطلت على العراق ، العالم معجب بهذه الانتخابات التي حققت نسبة مشاركة تزيد عن 62 % وهو رقم كبير ، لكننا متشائمون ومن حقنا ذلك حتى اننا نردد السؤال : هل يكفي رمي الاوراق في الصناديق لبناء نظام ديمقراطي في العراق ؟ اليس النظام الديمقراطي هو نظام العدالة والتنمية واحترام حقوق الانسان ؟ هل هذه مفاهيم ثقافية عقيدية ام مجرد عناوين سياسية ؟ هذه ليست اسئلة مشبوهة او ترفية ، فتجربة الدورة السابقة لاربع سنوات اثبتت عمليا ان الديمقراطية ليست مجرد تصويت في الانتخابات بل هي قبل كل شيء ثقافة واسعة الانتشار ، ثقافة مبنية على ثوابت مقدسة مثل الايمان دائما بوجود المنافسين وحقهم في دخول المنافسة ، الايمان دائما بمرجعية الامة ورأيها وقرارها ، رفض تركيز السلطة في يد حاكم او مجموعة ، قبول مبدأ الرقابة والتقييم والمحاسبة ، وضع القانون فوق كل شيء واجتثاث الفساد بكل انواعه ، هذه المبادئ دفع العراقيون لاجلها نهرا من الدماء ، المبادئ التي تعطي السلطة للشعب فيسندها بدوره لمن يختار ، فهو مصدر الشرعية وصاحب البيعة ، الدورة السابقة تثبت ان ثقافة الشعب بحاجة الى تطوير لكنها ليست العائق الاكبر امام سير التجربة الديمقراطية لان قوى الممانعة الحقيقية موجودة داخل النسيج السياسي العراقي وليس داخل الشعب ، بعض القوى والاشخاص يعيشون ازدواجية فهم في خطابهم ديمقراطيون وفي سلوكهم ملكيون مستبدون ، لذا نشعر بنقصان الضمانات الكافية لنشوء ديمقراطية راسخة في العراق ، كثير من العراقيين يعتقدون ان امريكا والامم المتحدة هم الذين ساعدونا في تمشية الانتخابات وجميع الفعاليات ذات الطابع الديمقراطي معربين عن خشيتهم من ان نكون مجرد مقلدين وقتيين لهم فاذا رحلوا عنا حسب اتفاقية سحب القوات عدنا الى عاداتنا القديمة ، ويعود مسؤولونا للبحث عن شعب يرقص لهم على ضوء الفوانيس وسط الغبار المتصاعد بسبب التصحر ، اسباب هذا التشاؤم معروفة ومع ذلك لا يمكن اغفال الامور التي تبشر بخير وابرزها ان ايمان الناس بالانتخابات يعني تفضيلهم الخيار ذي الطابع السياسي السلمي في حل مشاكلهم وبناء دولتهم والايمان بثقافة جديدة وادانة خيار العنف خاصة وان اعلى نسب المشاركة في الانتخابات سجلتها المناطق الاكثر تضررا من الارهاب والجريمة المنظمة ، ولكن من اهم ضمانات الاستمرار ان يأتي الفائزون في هذه الانتخابات الى مواقعهم بروحية من يريد ان يخدم لامن يريد ان يحكم او يريد ان يكسب مالا وامتيازات ، ففي ظل ديمقراطية السنوات الاربع الماضية ، شهدنا سرقة اموال بالمليارات ، وتوقف خدمات وفشل وزراء ، وفشل موظفين كبار لم يكونوا مناسبين لمواقعهم ، ووقوع حالات ظلم وفقر وضياع حقوق في اوساط الشعب ، وبقاء مشاكل كبرى بلا علاج ، كل ماشهدته تلك السنوات الاربع من تراجع وفشل قد تم تحت خيمة الديمقراطية الجديدة فمن يضمن لنا ان لا تستمر المآسي نفسها تحت الخيمة نفسها ؟ نعم الديمقراطية ثقافة وليست مجرد صناديق تمتلئ باوراق المصوتين ، واذا جرى الفساد تحت لافتة الشرعية الديمقراطية سوف يعم الاحباط وترى الناس يترحمون على زمن الاباطرة العدول ، لان القضية ليست قضية شكل بل مضمون اخلاقي سيء وخطير يحول الحياة الى جحيم لايطاق ، نقترح ان تشهد السنوات الاربع المقبلة وضع معايير لتطبيق المضمون الديمقراطي وليس الشكل فقط لكي لا نضطر الى احراق الخيمة بعد ان فشلنا في اختراع أي طريقة لتنظيفها .
https://telegram.me/buratha