حافظ آل بشارة
يتسائل بعض المراقبين : هل يمكن ان تنتقل الديمقراطية بالعدوى من بلد الى آخر ؟... والعدوى كلمة اكثر اثارة من عبارة (تصدير الديمقراطية)، فالتصدير تغليف ونقل بمساعدة قوى راعية حنونة هادئة متواضعة ، تغرس الخنجر بعد التخدير اللذيذ فتجعل الضحية يتمنى الف طعنة في اجواء حافلة بالفرح الجنائزي ، يجد الحاكم نفسه خارج الكرسي بكل نعومة . اما العدوى فهي كلمة توحي بالمرض ، فالديمقراطية بالنسبة للمستبدين الاتقياء الوقورين وباء عضال ونذير شؤم وسرطان سلطوي ماحل في مملكة الا جعل تمثال سيدها تحت احذية الاطفال . عندما انتهت الانتخابات العراقية بنجاح قل نظيره ، وفشل حكام الدول الشقيقة في اسقاطها ، وهزمت وسائل الترويج والدعاية العاملة ضدها ، وابتلع المراسلون المرتزقة اوراقهم ، ولملم المجرمون المأجورون عبواتهم ، انتقل المنكوبون بهذه العاصفة الديمقراطية الى بارقة امل جديد ملخصه : ان الانتخابات نجحت مع كل الاسف ، ولكن مازال الامل قائما بأن تفشل القوى السياسية العراقية في تكوين تحالف برلماني قادر على تشكيل الحكومة طبق الدستور ، ومع ان هؤلاء المبشرين بالفشل بدأوا منذ الآن بوضع خطة لترويج الفشل المؤمل وكأنه متحقق ، الا انهم كانوا بحاجة الى مراجعة كارثة نجاح الانتخابات واعادة قراءتها انه بلاء تطول مدته ويدوم مقامه ، ولا بد من تخفيف وطأة الحدث على عواصم المنطقة واروقة الحكومات الحزينة ، العجيب ان احد الكتاب عالج الموضوع بطريقة ما فوق التزلفي ، فقد تبرع ذلك الكاتب في صحيفة خليجية بدور المبشر ، وقال انه يؤكد تطميناته لدول المنطقة بأن الديمقراطية لا تنتقل بالعدوى ، وان نجاح الانتخابات العراقية لا يهدد سلامة الانظمة الفردية في المنطقة ، ولم يتوقف عند هذا الحد بل اطلق كلمة مخجلة فاحت منها رائحة تملق ملكي فريد لم يبلغ ذروته اسلافه من كتاب البلاط ، قال الرجل ان الانظمة الفردية احسن لهذه الشعوب من الانظمة الديمقراطية لان ثمن التحول الى نظام ديمقراطي كبير جدا ، وكأنه (فيترجي) يتحدث عن تحوير سيارة (ستيرن يمنه) ، هذا الكاتب اللطيف في اسلوبه يشبه صديقي الذي كان سياسيا وثريا ، سألته ذات يوم لماذا انت ثري جدا وانا فقير جدا مع انني اكفأ وانزه واقدم منك ومن عشيرتك في مجال العمل السياسي والجهادي وقد دخلنا المعركة ونحن متساويان في الفقر والشرف والرفض ، فأجابني : انت قد ذكرت السبب بدون ان تدري ثم اضاف ناصحا : يا اخي ان الله يحبك اذ ابتلاك بالفقر ليراك هل تصبر وابتلاني بالثراء ليراني هل اشكر ؟ كان تخريجا ذكيا ، ولكن تخريجة الكاتب الخليجي لم تكن ذكية فهو يدعو شعوب المنطقة الى الصبر على الاستبداد لان ثمن الديمقراطية غال ، وكان الافضل له ان يكمل كلامه بطريقة صاحبي : ان الله ابتلى هذه الشعوب المحبوبة جدا بالقمع والفقر والامية والجهل والعزلة ليجازيها خيرا على صبرها ، وابتلى شعوبا اخرى بالرفاه والحريات والكرامة والامن والعدالة ليراها هل تشكر ؟ هذه ليست هلوسة بل هو مقطع يمكن ان يتكرر آلاف المرات في خطابات وعاظ السلاطين من رجال الدين الملكي الذين انتجوا فتاوى الابادة ضد العراق. لماذا لا نجرب تمشية هذه الموعظة العربية على العراق وهو بلد عربي وعضو مؤسس في الجامعة العربية ؟ لذا ندعو السياسيين ان يجتازوا بلاء تشكيل الحكومة بنجاح ، وان يتعوذوا من شياطين الاستيزار وطناطل الانبطاح ، ورموز الغدر والدهاء ، الانتخابات جهاد اصغر ، وتشكيل الحكومة جهاد اكبر ، كونوا بالوزارات زاهدين ، سلموها للمهنيين ، وان لم يكونوا من الاقربين ، وزارة في وجه الصديق لاتضيع ، من الذي مات وأخذ وزارته معه ؟ طبقوا ماجاء في برامجكم الرنانة ، واحذروا عذاب تشكيل الحكومة الذي يغشى الناس فيجعلهم يشتمون الديمقراطية ويمدحون الاستبداد البائد من باب : اذكروا حسنات موتاكم ، الا تسمعون ؟.
https://telegram.me/buratha