محمود الربيعي
سلوك الناس آخر الزمان وفق رؤية إسلاميةالحلقة الثانية
ليس غريباً أن نبحث في تحليل الجانب الثقافي والإجتماعي ودراسة التغير الحادث في ثقافات الشعوب ونمط السلوك البشري العام في الإتجاهين المتضادين وعلى الوجهين السلبي الإيجابي، وعلى الأقل في نظر الباحثين في علم الإجتماع، كما أن من المهم أن ندرس النمو المضطرد في القوانين والإكتشافات العلمية في عالمي المادة والطاقة، وفي عالم الصناعة، والتكنولوجيا وطريقة إستخداماتها المفيدة والمضرة، فكثير من البحوث العلمية في الكهرباء والميكانيك والمغناطيسية أفادت البشرية وساعدت على إكتشاف المجهول وسهلت إمكانية الحصول على بيانات واسعة عن الحياة وطرق تحسين المعيشة، كما أن هناك الكثير من الفوائد التي حصل عليها الإنسان عن طريق العلوم التي تبحث في الضوء والصوت والحرارة والذرة والنواة الذرية مما سهل على الإنسان الكثير من الأمور المستعصية في عالم الطب والزراعة والتكنولوجيا، ورغم كل ذلك فإن بعض المعلومات العلمية أسيئ إستخدامها كما حدث ذلك عند إستخدام الطاقة الذرية والنووية في حالات الحروب الدولية وأدى الى تهديد حقيقي للجنس البشري، وأصبح هذا التهديد يقلق الناس من قيام مخاطرات جديدة ووقوع حماقات غير متوقعة.إن المنحني البياني الذي شهدته الحالة العلمية يتجه نحو المزيد من الإكتشافات والإختراعات بينما المنحدر البياني في العلاقات الإجتماعية والثقافية يشكل إنخفاضاً ملحوظاً يهدد تلك العلاقات مما يساعد على إرتكاب الجرائم وحصول المزيد من النزاعات والصراعات والحروب بين الدول على الرغم من صدور الكثير من القوانين والتشريعات المانعة.وفي هذه الحلقة سنتناول الجوانب العبادية والسلوكية والإجتماعية والأسرية بالإضافة الى الجوانب الإقتصادية والمالية ومجال الإعمار والبناء، كما يهمنا دراسة العلاقة التي تربط الحكام بالموظفين والمستخدمين لنتبين مدى مدى إنحسار تلك العلاقات بالشكل الذي يظهر التدني الملحوظ على الرغم من المظاهر المادية الشاخصة.
جاء في غيبة الطوسيفقال (صلى الله عليه وآله وسلم): عند تأخير الصلاة واتباع الشهوات وشرب القهوات وشتم الآباء والأمهات فعند ذلك ترى وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، كلامهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الحنظل فهم ذئاب وعليهم ثياب، ما من يوم إلا يقول الله تعالى: أفبي تفترون. أم علي تجترون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون.من علامات آخر الزمانالأول: تأخير الصلاة: هذا إذا لم يترك الكثيرون صلاتهم، فمن علامة المؤمن الذي له صلة قوية بالله هو الذي يداوم على صلواته ويؤديها في أوقاتها بالإضافة الى حرصه على أدائها جماعة في المسجد.الثاني: وإتباع الشهوات: وهي إشارة الى مدى إبتعاد الناس عن دينهم وإنغماسهم في أمور الدنيا التي فيها مخالفات صريحة للدين.الثالث: وشرب القهوات: وهنا ليس المقصود شرب القهوة، وإنما إشارة الى إضاعة الأوقات بالمجالس الفارغة التي تخلو من ذكر الله سبحانه وتعالى.الرابع: وشتم الآباء والأمهات: وهي حالة خطيرة ومؤشر سئ جداً خلاف الفطرة التي جبل عليها الإنسان من إحترامه الشديد للوالدين، فالدين يعد الإعتداء على حرمة الوالدين من أشد الكبائر التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها.ومن علامات آخر الزمان أيضاًحتى تروا الحرام مغنما والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته وجفا جواره وقطع رحمه وذهبت رحمة الأكابر وقل حياء الأصاغر وشيدوا البنيان وظلموا العبيد والإماء وشهدوا بالهوى وحكموا بالجور، ويسب الرجل أباه ويحسد الرجل أخاه ويعامل الشركاء بالخيانة.أولاً: يصبح الحرام مغنماً: من أكبر مظاهر الفساد في المجتمعات أن ترى الحرام مغنما ويظهر ذلك في حالات الزنا والسرقة والعدوان على حقوق الناس الضعفاء ومظاهر الحرام الأخرى وهي حالة تشير الى إنقلاب الموازين الإجتماعية بشكل خطير.ثانيا: وتصبح الزكاة مغرماً: وقد جاء في لسان العرب معناه أن أي يَرَى رَبُّ المال أن إخراج زكاته غَرامةٌ يَغرَمُها.ثالثاً: وأطاع الرجل زوجته: ويظهر من هذه العلامة أنها تكون عامة في الأغلب، حيث تفقد الأسرة هيكليتها الفطرية وتتوزع العلاقات داخل الأسرة بالشكل الذي يخالف الوضع الطبيعي لها، حيث تتبادل المرأة والرجل المواقع فيترتب على ذلك مخاطر إجتماعية بالغة في شؤون الأسرة والتربية والتعليم والعلاقات الإجتماعية.رابعاً: وجفا الرجل جيرانه: فمن أقوى الروابط الإنسانية بين البشر حسن الجيرة وهذا لايخص المجتمعات الإسلامية فقط وإنما يعم جميع المجتمعات الإنسانية في كل مكان من العالم على مختلف أديانها وعقائدها وأفكارها، لكن الحالة التي يشير إليها النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هي حالة البشرية عندما تكون في أدنى مستوى من الإنقلاب في العادات والتقاليد فيجفو الجار جاره ويعتدي عليه ويؤذيه ويسلمه الى عدوه.خامساً: وقطع الرجل رحمه: كما أن من أعظم العلاقات الإجتماعية بين الناس هي صلة الرحم، وهي العلاقة النسبية بين العوائل وتعم جميع من يدخل تحت هذه العلاقة وقد تعوّد البشر على إقامة أفضل العلاقات الرحمية فيما بينهم لكن المؤشر الذي يشير إليه الرسول معناه تقطّع تلك العلاقات بشكل يبعث على الأسى.سادساً: وذهبت رحمة الأكابر: وفي لسان العرب الأكابر جماعة الأَكْبَرِ ولا تجوز النَّكِرَةُ فلا تقول مُلوك أَكابِرُ ولا رجالٌ أَكابِرُ لأَنه ليس بنعت إِنما هو تعجب. وكَبَّرَ الأَمْرَ: جعله كبيراً، واسْتَكْبَرَه: رآه كبيراً؛ وأَما قوله تعالى: فلما رَأَيْنَه أَكْبَرْنَه؛فأَكثر المفسرين يقولون: أَعظَمْنَه. إنتهى.وبصورة عامة يريد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن عظماء القوم وأكابرهم فالمشهور عنهم رعايتهم لقومهم وإهتمامهم بشؤونهم وحاجاتهم مما سوف لن يكون عليه الحال في آخر الزمان.سابعاً: وقل حياء الأصاغر: في القاموس المحيط: والصَّغارَةُ، بالفتح: خلافُ العِظَم، ِفي القَدْرِ، وأصاغِرُ: جمعُ أصْغَرَ،كالأصاغِرَةِ. وصَغَّرَهُ وأصْغَرَه: جَعَلَه صغيراً. إنتهى.وهي إشارة الى قلة الحياء عند الصغار، أو صغار القوم، وذلك يحصل بنتيجة ضعف الإيمان والقيم الأخلاقية.ثامناً: وشيدوا البنيان: من الشائع إهتمام الحكام عادة بتشييد القصور ولكن أن تكون الحالة عامة شاملة للناس فهذا أمر غير مالوف، فعادة مايهتم الناس بالبناء الذي يكفي لحاجتهم ولكن ماأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو غير المألوف من الإهتمام بالبناء على نحو القصور التي يتملكها عموم الناس.تاسعاً: وظلموا العبيد والإماء: مع أن طبقة العبيد والإماء لاتزال موجودة في أماكن مختلفة إلاّ أن التطور في الحياة جعل طبقات المستضعفين أوسع مما كانت عليه بحيث تدخل هذه الطبقة مجموعة الموظفين في الأنظمة التي تستغل الإنسان وتمتص طاقته لخدمة مجموعة من الناس الذين يشكلون الأحزاب الحاكمة أو الحكومات المستبدة.عاشرا: وشهدوا بالهوى وحكموا بالجور: وهذا المؤشر يبين مدى فساد الناس والحكام والقضاة بالشكل الذي يطمع فيهم القوي وييأس فيهم الضعيف.أحد عشر: ويسب الرجل أباه ويحسد الرجل أخاه: وعند إختلال الموازين الأخلاقية والإجتماعية لايستبعد أن يسب الرجل أباه وهنا إلتفاتة مهمة فلفظ الرجل يدل على كامل رجولتة وعقليتة لكنه لايتمتع بالأهلية والإلتزامات الأدبية التي ينبغي أن يكون عليها من إحترام أبيه، وبنفس تلك الخطوط والإتجاهات تكون العلاقات سيئة بين الإخوة فبدلاً من أن يتفانى الإخ لخدمة بأخيه إلاّ أنه يحسده ويبغضه ويتمنى زوال نعمتة.
خاتمةأننا نعتقد أن دراسة الجوانب الإجتماعية والثقافية هي أهم بكثير من دراسة العلامات المادية لأن العلامات المادية إنما هي مؤشر مفيد في تحديد الزمن لكن العلامات الثقافية والإجتماعية هي مؤشر يخدم في تحديد هويتنا وهوية الإنسان وشكل علاقته بالله ويحدد مستقبله داخل الكون ويبرز نمط حياته التي أختارها والتي ستكون مهمة في تشخيص مستقبله بعد الممات وعلى الأقل من وجهة النظر الإسلامية.
https://telegram.me/buratha