قامت قبل أيام قوة أمنية بمداهمة عدد من المطابع في شارع السعدون ببغداد حيث صادرت كمية كبيرة من المطبوعات من إحدى المطابع ، ونقلت وسائل الأعلام خبر تلك المداهمة مشيرة الى وجود مطبوعات تحريضية تمت مصادرتها من تلك المطبعة وفق الرواية الحكومية . وأما الحقيقة فان تلك القوة قامت بعملية المداهمة لمصادرة كتيب من ستة عشر صفحة يسلط الضوء على ميزانية العراق للأعوام ( 2006 – 2007 – 2008 – 2009 ) وعلى جملة من الأمور الأخرى كاشفا النقاب عن سوء استخدام الحكومة للمال العام وحجم الفساد الذي بلغ حد التراقي . وتعرض هذا الكتيب لأداء المسؤولين في الدولة وتوجيه الانجازات المتحققة الى وجهة معينة بعيدا عن مسارها ووجهتها الحقيقية وكان انتقادا عاما وفق حقائق ثابتة وإيضاحا للخلل الموجود في الأجهزة الحكومية . ولو راجعنا الدستور العراقي وتحديدا المادة ( 38 ) منه لوجدنا انه قد تكفل بحرية الطباعة والنشر والأعلام والإعلان بما لا يخل بالنظام العام والثوابت الدينية والأخلاقية للمجتمع العراقي .
وبعد ان اتضحت الصورة من كل جوانبها لابد لنا من وضع ألف علامة استفهام على تلك الحادثة وأسبابها وتداعياتها ، لأن ذلك يعني ان حكومتنا " الديمقراطية " قد تراجعت عن أساسيات وجودها وتنصلت عن تعهداتها وبدأت بالانجراف الى منحدر الدكتاتورية البغيض ، وهناك احتمال وارد جدا وهو ان البعثيين الذين تسلموا مناصب رفيعة فيها قد تمكنوا من تغيير أفكارها لتسير على خطى العهد المباد في سياسة غل الأيدي ولجم الأفواه . وليست الحادثة بحد ذاتها هي التي تثير حفيظتنا ، وإنما الكذب على الرأي العام من خلال تبرير تلك العملية بوجود " مطبوعات تحريضية " وهذا يذكرنا بتبريرات البعثيين لكل عمل يقومون به لأكسابه الصفة الشرعية . ان هذا الكتيب لم يرتكب أي جريمة سوى تسليطه الضوء على اموال الشعب التي تتسرب الى الكواليس من " الثقب الأسود " في جيب الحكومة العراقية وعلى طريقة عادل إمام " لا من شاف ولا من دري " ، وأما الشعب المسكين فما زال يتقلب على فراش الأزمات الاقتصادية ويوسد رأسه المليء بالهموم على وسادة الوعود الخالية ويلتحف السماء المتلبدة بالعواصف الترابية رغم انه لم يطلب من حكومته سوى لقمة عيش كريم تقدم له على طبق من الصدق والأمانة لا أن يستغفل بهذه الطريقة المخزية والتي تكشف عن عمق الاستهزاء به وبمقدراته وبمستقبله الذي اصبح مجهولا ليتحول المسؤول الى فاعل والشعب الى " مفعول به " رغم ان الكثير من المسؤولين لا يفقهون شيئا من النحو . فإذا لم تعالج الأمور بالشكل الذي يضع الجميع على مسافة واحدة من القانون فلا أمل لنا بالحرية التي ضحينا من اجلها عشرات السنين ونكون قد استبدلنا الدكتاتورية بديمقراطية " نص ردن " .
https://telegram.me/buratha