حميد الشاكر
في التجارب التاريخية وخاصة منها الاسلامية ، اينما تسمع مزمور نبذ الطائفية يقرع،وخطاب حول ضرورة البحث عن مشترك لااختلاف فيه فكريا يرفع ، فاعلم ان هناك دكتاتورية تحت الرماد نائمة تحاول التعبير عن ذاتها وتدبير لقهرٍ وظلم يُدبّر بليل وتكميم للافواه عن التكلم وللافكار والعقول عن التحرك وللسياسة ان تلعب على حساب الرأي والراي الاخر ، مما ينتج وبصورة شبه طبيعية تشوهات اجتماعية مدنية وزيادة احتقان وظواهر مجتمعية مزدوجة داخل انسان المجتمع هنا وهناك وهذا ما حصل بالفعل في جميع التاريخ ، وفتراته المتردية التي شهدت انحدارات سياسية ودكتاتوريات طائفية متسترة بشعار نبذ الطائفية ، وانغلاقات ذهنية وتراجعات حضارية !.
بينما اينما تسمع مأذنة :(اهلا بالحوار)وتقرأ عن مجالس (للمأمون العباسي ) ،تُعقد للمناظرات بين جميع الطوائف والاديان والفلسفات والملل والنحل وتشاهد الندوات وهي تصدح بصوتها بالخطاب والخطاب الاخر والمكتبات وهي تملئ بكتب الفلسفة ، والحكمة واحترام العقل والشريعة ، والملل والنحل بدون وجل او خوف والتسابق الى الابداع ونبذ الابتداع ، وانسان يجلس بجانبه انسان اخر في نفس المتجر للعمل سويا والاول سني والاخر شيعي ،او الاول مسيحي والاخر مسلم بلا ظهور نفور مشاعري حاد بينهم فلتدرك على الفورإن هناك حياة ملئها الاطمئنان وسياسة وحكم ملئه القوة والثبات ، وهناك حاكم ورعية ملئهما التفاهم والاحترام !!.
إن الاختلاف الفكري ،وخاصة منه الديني بين الناس داخل منظومة المجتمع سُنة كونية الاهية خلقية طبيعية وفسح الطريق امامها لتتحرك وتعبر عن ذاتها بحرية تنفيس ضمنته الشرائع السماوية لاستقرار المجتمع وضمان سلامته النفسية من الكبت والقهر والحرمان....الخ ودعوى تجريم الفكر والتعبير عنه بتلقائية تحت بند نبذ الطائفية او بند اللحمة الاجتماعية ووحدتها الوطنية ، او حتى وحدة الامة الدينية كل هذه الصناعات السياسية ماهي وفي حقيقتها الا عملية تحايل على الوضع الاجتماعي الطبيعي ، الذي ينبغي له ان يقوم في ممارسة الحرية الانسانية ، في قُبالة القمع وارهاب الانسان عن التعبير ، وتجريمه ان هو حاول ممارسة التفكير ، او فكّر في تمرين عقله على التدّبر والتدبير في فكره وثقافته ومعتقده لتطويره او تغييره او الكفر به ان كان فكرا خاوياولايمتلك اي رصيد من الانتاج للحياة مما يؤدي بالضرورة الى جمود الانسان وترهل حياته ، ونهاية ابداعه والتجديد والتطلع نحوه ، والتفكير في سبل واليات الوصول اليه !!.
نعم هناك دوما مَن يتطلع لأن يرى الانسان والمجتمع الذي يعيش فيه على شاكلة الحمار والحمير ، الذي هي دائما ينبغي ان تكون متفقة في كل شئ ، في الشكل كما في التفكير ، والحركة والتوجه والسعي والوظيفة ولايتوقع من الانسان ومجتمعه ان يختلفوا في اي شئ صيانة لوحدة الفة الحميروتكاتفها في العمل لخدمة السيدوالسلطان وتحت هذا الشعار السياسي او ذاك الدكتاتوري القمعي هو يحاول بشتى الصور ان يظهر حياة الحمير المتحدة في كل شئ على اساس انها النموذج الاعلى الذي ينبغي ان يتخذ شعارا ودثارا لحياة البشروهذا لا لسبب معقد الا كون الحمير وافكارها وتطلعاتها وتصوراتها ووجودها ..، لاتكلف ولاتثير اي مشاكل للسلطان واستقرار حكمه من جهة ، ولأن القائم على ادارة ، وسياسة شؤون الانسان والمجتمع لايرغب بصناعة حياة تليق وطبيعة حياة البشر الفطرية التي هي مختلفة ، ولابد لها من التعبير عن هذا الاختلاف ،وممارسته بشكله التلقائي لتشييد حضارة الانسان كما يريدها الله متنوعة متلاقحة متشادة متفرقة متناطحة .....، وليس لاقامة حياة القطيع المتحد غريزيا والمتآلف طبعيا في هذا الحيز من العالم !!.
على مدى التاريخ ( كما يذكر لنا ) كان هناك فريقان في هذه الحياة :
الاول : هو فريق يدعوا الى تفجير قنبلة الاختلاف باعتبارها هزّة الابداع التي لابد منها ،ويطالب في الجانب الاخر التعامل مع الاختلاف كأمر فطري وطبيعي وغريزي وبشري والهي ولاداعي ولا مبرر للخوف منه بشريطة ان تدار الحياة بشكل تقبل الاختلاف كأمر الاهي وهذا الفريق كان يُطلق عليه دوما ( المثير للفتنة ) داخل المجتمع والداعي للاضطراب على السياسة والحكم ، وعادة مايكون هذا فريق اللاسلطة او المعارضة ،او فريق السلطة الواعي الذي يدرك تماما ان الحرية والاختلاف من اساسيات بنية المجتمع البشري الذي ان اُديرت اختلافاته هذه حسب طبيعتها وسمح لها بالتعبير قانونيا ، فانها ستخلق المعجزات ، وان قمعت تحت اي مسمى فهي ستخلق الكارثات !.
الثاني : وهو فريق اللاحوار واللا إختلاف ، واللاجدال ( يعني فريق الحمير ) باعتبار ان كل هذه الممارسات هي مثار للفتنة الطائفية والاخرى العنصرية ، والثالثة الايدلوجية ، والرابعة الدينية .....الخ وهكذا وعادة مايكون هذا الفريق هو فريق السلطة ، والدكتاتورية وفريق انصار صناعة القداسات المزيفة لكل شئ يتحرك في العالم (قداسة للتاريخ وقداسة لشخوص بشرية غير مقدسين في الاساس وقداسة الوطن وقداسة الوحدةوقداسة المواطنة وقداسة المصالح العليا وقداسة الخليفة او الحاكم او السلطان وقداسة الصحابة والتابعين لهم وتابعي التابعين الى يوم الدين ..الخ ))وكل هذه القداسات هي في الحقيقة واجهات تتمترس خلفها القوى الدكتاتورية السياسية والاخرى الظلامية النفعية لقمع فطرة الانسان وقمع طبيعته البشرية الالهية بل واكثر من ذالك هي تعبير عن مدى الرعب الذي يحمله هؤلاء من الراي الاخر باعتباره الراي الذي يحمل قوة الحجة والمعتقد والصحة والبرهان الذي حتما سينتصر على فكر الطغاة وعقائدهم الفارغة ومقدساتهم السخيفة من جهة ، وضخامة توحش هذه الحيوانية البشرية الطاغوتية بحيث ينظرون الى الاختلاف بقانون الغابة وسننها العنيفة التي تعتمد على ضرورة العيش داخل النمطية (الحميرية ) الموحدةمايوجب على حسب اعتقادهم استحالة حياة فصيل حيواني مع فصيل حيواني اخر مختلف عنه في الشكل او الغريزة او التصور او التوجه والتطلعات من الجانب الاخر !!.
والحقيقة ان هذه الرؤية هي السرّ الحقيقي خلف جميع الدعوات التي تحاول مصادرة الحرية الفكرية باسم قداسة التاريخ وقداسة الصحابة وقداسة التافهين الحكّام ومصادرة حرية التعبير السياسي بحجة الخوف على وحدة الوطن ومصادرة اقامة الحياة وبنائها على شكل الاختلاف ،الذي هو عجلة اي تطور في هذا العالم ، تحت بند نبذ الطائفية والخشية من الحرب الاجتماعية والفتنة المذهبية الذي وقعوا فيها عندما منعوا الانسان من حريته وفكره ....الخ ، وعلى العقلاء ان لاينجروا لعملية غسيل الدماغ لترهيبهم من زراعة وسقي الاختلاف في داخل المجتمع والترويج لفطريته وسنته الالهية وثقافته الواقعية ، تحت حجج وذرائع ما انزل الله بها من سلطان ، بل هي من زرع ونبت الحيوان !!.
تمام في السابق قتلوا الحسين بن علي ابن ابي طالب وابن الرسول محمد الاعظم ص وسيد شباب اهل الجنة تحت بند عدم السماح لاثارة الفتنة والخوف على وحدة الامة وضرورة قمع الخطاب الطائفي وكأنما الحسين طالب الفتنة ومرّوج لخطاب الطائفية وممزق الامة ، بينما الدكتاتورية الاموية هي حامية الوحدة والحرية والاشتراكية ؟!!!.
واليوم يحاولون مصادرة حرية التفكير ، ومسؤولية التعبير ، والايمان بالاختلاف كسنة الاهية خلقها الله داخل اي مجتمع ،وضروة فتح القنوات الحوارية على كل الحقائق في التاريخ وحتى اليوم تحت بند تجريم التعرّض للصحابة وتحريم الخوض في التاريخ ، وعدم السماح لنقد اولي الامر الحاكمين ، ووجوب الابتعاد عن الخطاب في الطائفية واثارة الفتنة بين المسلمين ... الا في الفتنة سقطوا !!.
الخلاصة : ان طائفيتنا تعتمد على الاختلاف والحرية وطلب العدل والاعتراف بالاخر وتشكيل الحياة على شكلها الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه عليها ، فهل طائفيتكم على شاكلة طائفيتنا لندعوا للحوار بدلا من الانغلاق ؟.أم انها طائفية الدكتاتورية ، والقهر والارهاب والرعب ،والصمت والقداسات المزيفة ، والعنف واسكات العقل عن التفكير واللسان عن التعبير لنرفع الجدران وننبذ الطائفية والانسان ونعيش داخل اقفاص الحيوان ؟!.
https://telegram.me/buratha