عندما ننظر إلى المشهد السياسي العراقي في هذه الفترة الحساسة من تاريخه الحديث , وهو يمر بثاني عملية ديمقراطية لانتخاب السلطة التشريعية للسنوات الأربع القادمة , سنلاحظ أن الأحزاب , والكتل السياسية على مختلف انتماءاتها العرقية والمذهبية تطرح برامجها الانتخابية لأبناء شعبها والذين هم بمثابة الحَــكـَـم لما سيتمخض عنه هذا السباق الديمقراطي .
هناك من يغرد خارج السرب ليروج لكيانه خارج الحدود , يتمسح بأعتاب العرب للضغط على الحكومة العراقية وإجبارها على مخالفة الدستور وتجاهل القوانين للسماح لرفاق الماضي العودة من جديد للتسلط على رقاب المساكين .
إن ازدواج المعايير والذي يمارسه أقطاب سياسية ربطتها القائمة 333 هي محاولة منهم لخلط الأوراق على الساحة . فمن المنطلق القومي لقائمة الدكتورعلاوي والتي تعتبر الدول العربية الراعي الرسمي لها والحليف الستراتيجي, كما يعتبر التكتل بوابة للعرب هي موطئ قدم لهم في العراق, ومحاولة إعادة أمجاد الحلم العربي الذي لم يتحقق حيث أعياه الضعف والانكسار وهزائم الأمة وأجهز عليه مدح المادحين الذين صوروا لنا الوطن واحة خضراء تحيطها المياه وتحميها القلاع والحصون بتسلط قائد فذ تنحني له الأعناق وتذل له الجباه , والسعي لترتيب رسم الخرائط وترتيب الحدود التي ابتلعت أجزاء عزيزة من الوطن مرة للأردن وأخرى للكويت والسعودية .
فالحلم العربي يبقى في خانة الأحلام الكوابيس التي لم نحصد منها الا الأناشيد والأشعار الرنانة من الذين يقولون ما لا يفعلون , سببوا للشارع العربي إحباط وانعدام ثقة بالمستقبل بسبب زيف إدعائهم .
فبالأمس علاوي واجتماعه بملك السعودية ومدير مخابراته , واليوم الهاشمي في نشاط محموم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
كم صرح الهاشمي بمعارضته وعدم السماح لأي تدخل خارجي في الشأن العراقي ! لكننا سنجده في هذه الأيام يستجدي تدخلا مصريا لإنقاذ بقايا الإرهاب الذين اجتثوا وبحسب الدستور العراقي وبأدلة جنائية تم إحالتهم إلى المحكمة الجنائية العليا . أما عن تقديرات شركاء علاوي _ الهاشمي في استقدام قوات عربية إلى العراق في حال حدوث فراغ أمني بعد انسحاب القوات الأمريكية , فهذا الآمر إذا كان يشبع نفوس بعض الساسة المريضة فإنه سوف يحدث ثورة عارمة في أغلب مناطق العراق التي لا تقبل بأي تدخل خارجي حال انسحاب القوات الأمريكية من العراق .
فالأموال التي صرفت في بناء الجيش العراقي وقوات الأمن الأخرى , وإعادة تدريبها وتجهيزها كافية لتأخذ دور المدافع والمسيطر على أوضاع البلد داخليا وخارجيا . وقد أثبتت هذه القوات قدرتها الفاعلة في التصدي للإرهاب القادم من الدول التي يستجدي الهاشمي وعلاوي رضاها وكسب ودها .
لكن الغريب العجيب هو ما حدث أثناء لقاء الهاشمي بمبارك في القاهرة إذ " يحرص" الرئيس المصري وحسب بيان صدر أثناء الزيارة (على أن تكون الانتخابات القادمة شفافة وعادلة وشاملة بحيث تنبثق عنها حكومة تمثل أطياف الشعب العراقي ) .
كلام ليس عليه غبار , وسليم مئة بالمئة لو كان الكلام صادرا من غير مبارك ! الذي يعيش بلده أزمة ديمقراطية حقيقة في ظل أنباء ترجح توريث حكمه لابنه جمال مبارك بعد انتهاء ولايته العام القادم فيما إذا كان قد شبع سيادته من السلطة لولاية سادسة ؟
وإني أعجب كل العجب من سيادة المبارك كيف له يقحم نفسه بما لا يفهم ؟ ما للأعمى والشمس ؟ أين شراكة الحكم في بلدكم يا أبو النزاهة والشفافية !! يتحدث قبحه الله كأنه رئيس جديد تولى الرئاسة قبل أربع سنوات بطريقة نزيهة وشفافة ومن يسمعه يتخيل وكأن المبارك الشفاف يود أن يعمم تجربته الديمقراطية النزيهة هذي على كل شعوب المنطقة !!
إن أصغر طفل عربي يعي جيدا أن لا منافسين حقيقيين على الساحة المصرية للحزب الوطني الحاكم الذي يسيطر بشكل يكاد يكون كامل على جميع المحافظات حاله في ذلك حال بقية الأنظمة العربية . وبالتالي فإن الأمور محسومة له سلفاً في ظل التعقيدات الدستورية والقيود المفروضة على ترشيح رئيس الجمهورية ؟ .
فالعدالة والشفافية كما يطرحها المعارضون لحكمه هي تهمة يسجن المطالبون بها أو ينفون خارج البلد أو يقام عليهم الحّد , فالديمقراطية في مفهوم مبارك هي استعباد الشعب من أجل أن يحافظ على جاهه الفاني وسلطانه الزائف , وتسلط فئة الحيتان على الاقتصاد المصري جعلت أكثر من 70 % من الشعب المصري من فئة الفقراء والمحرومين والمشردين .
أقول لك مبارك : إن أصغر طفل عراقي أمسه خير من يومك وقذاله أحسن من وجهك ويساره أسمح من يمينك ونفسه أكبر من جندك ويومه أشرف من دهرك ووعده أنجز من رفدك وهزله أصوب من جدك ونعله أرفع من سريرك وفتره أبسط من شبرك وأمه خير من أبيك .
فلا تتحامق ولا تتغابى واترك بيت الشعر الذي يقول :
ليس اللبيب بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
العدل في مفهوم الوغد الأكبر مبارك وزمرته أيها الأخوة والأخوات هو أن يعيش شعب مصر يتغنى بأمجاد ماض ٍ سحيق كان يعمه العدل والمساواة والحرية , ولكن بمستقبل مظلم , وحرية مفقودة وتغييب لإرادة الشعب , الديمقراطية في نظر مبارك هي أن يجوع أكبر عدد من الناس لينصرفوا عن الحكومة وأدائها إلى شؤونهم بالبحث عن لقمة العيش في ظروف صعبة وقاسية وغلاء معيشة فاحش , وفي ظل انعدام الضمير لتتسيّد حفنة من المنتفعين على مقدرات بلد كان مقدر له أن يكون في مصاف الدول المتقدمة لما يملكه من خيرات وموارد مائية وثروة بشرية وتأريخ عريق.
الحرية المسموح بها للشعب المصري هي في ساحات كرة القدم ودور السينما والمسارح بعد أن أفسدوا ذوق الشارع المصري بالتهريج والابتذال .
والشفافية التي يحرص مبارك على أن يعمل بها العراقيون هو أبعد الناس عنها هذا إذا كان هو من الناس أصلا ! الشفافية يا مبارك تقتضي أن تصارح شعبك بما تعقده من اتفاقيات ذل وعار وهوان وتطبقها مع اسرائيل والتي تهدد بسحب البساط من تحت أرجلك في حال حيادك عن الطريق الذي رسموه لك !
وأخيرا نقول لمبارك عندما تتحرر من عبوديتك من أولياء نعمتك من الأمريكان والصهاينة آنذاك سيكون كلامك له وقع آخر علينا فإن من غربّل الناس نخلوه ! وأنت تعلم أنك ليس إلا رماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف , وكما قيل : من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة .
عراقيـــة
https://telegram.me/buratha