علي محمد البهادلي
لم يكن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الشأن العراقي مستغرباً ، فالعراق ما يزال محتلاً ، ويوجد على أرضه عشرات الآلاف من الجنود الأمريكان ، وعبثاً تحاول الحكومة العراقية أن تظهر بمظهر القوي المستقل ، فتدخلات السفارة الأمريكية في الشأن السياسي العراقي ليس يخفى على أحد ، ولم يحل توقيع الاتفاقية الأمنية دون تدخل القوات العسكرية الأمريكية فضلاً عن التدخلات السياسية.
الأيام القليلة الماضية شهدت جدلاً واسعاً حول الأسماء المستبعدة من الانتخابات التي رفعتها هيئة المساءلة والعدالة إلى المفوضية العليا للانتخابات ، وأصبحت ورقة انتخابية رابحة للأطراف كافة ، فالمعارضون لهذا الإجراء يستغلون أبناء الطائفة السنية بتهييج الحس الطائفي لديهم ، لأن إجراء هيئة المساءلة والعدالة ـ كما يصفونه ـ إجراء ذو مسحة طائفية غرضه استبعاد السنة من الانتخابات ، وآخرون يقولون إن استبعاد طرف سياسي من الانتخابات مناقض لمبادئ الديمقراطية وهو يدخل في إطار التصفية السياسية ، أما بعض المؤيدين لقرار الهيئة ، فإنهم يستغلون دماء الشهداء والمقابر الجماعية من ضحايا البعث المقبور من خلال التأييد القوي للهيئة وقراراتها ، والتنديد بمطالبات البعض بإرجاع البعثيين إلى العملية السياسية .في خضم هذا البحر المتلاطم من الجدل والنقاش يبرز إلى السطح الضاغط الأمريكي ، فيدلي " جون بايدن " بدلوه ، والسفير الأمريكي "كرستوفر هيل" يفتح ذراعيه لهذا وذاك من أطراف العملية السياسية الذين ولجوا البرلمان على حين غرة من الشعب العراقي ، فيعرضون آلامهم وآمالهم عليه عله يجد لهم مخرجاً ، أو لعله يضغط على السياسيين ، لا سيما المعارضين لمشاركة حزب البعث في الانتخابات البرلمانية ، ولم يستحِ هؤلاء الذين يدعون الوطنية ومقاومة الاحتلال ليلاً ونهاراً بالمبيت في أحضان السفارة الأمريكية ولسان حالهم " إنما أشكو بثي وحزني إلى الأمريكان وأعلم منهم ما لا تعلمون" ولا عجب ، فقبل عدة أشهر عقد الساسة الأمريكان اجتماعاً مع ما يسمى " المقاومة العراقية " في تركيا في انتهاك صارخ للسيادة العراقية .فجأة تظهر الهيئة التمييزية بقرارٍ تدعو فيه إلى تأجيل تطبيق ما هو موجود في قانون المساءلة والعدالة إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة ، ولا ندري من خولها بذلك ؟!! أهو السفير الأمريكي أم ان في الأمر شيئاً غاب عن العراقيين في ظل انعدام الشفافية لدى السياسيين ؟!بعد أن رُفِضَت طعون المستبعدين خلا بعض الطعون التي قبلتها الهيئة التمييزية ، فإن النخب السياسية يقع على عاتقها واجبٌ وطني مقدس ؛ لحماية السيادة الوطنية ومنع الخروقات الأمريكية للاتفاقية الأمنية التي أبرمتها مع الحكومة العراقية ويجب عليها لاسيما الأطراف التي دعت السفير الأمريكي إلى عدم التدخل في الشأن العراقي و الانتخابات البرلمانية ـ إن كانت صادقة ـ أن تتكاتف من أجل طرد هذا السفير ، فما من دولة تحترم شعبها وتحترم سيادتها تبقي على سفير يتدخل في شؤونها الداخلية كأنما هو في بلده .أما الأمر الأفظع فهو تدخل قائد القوات الأمريكية " ريديرنو " في الشأن السياسي على الرغم من كون مهمته عسكرية ، وما تصريحاته الأخيرة بشأن استبعاد البعثيين وهيئة المساءلة والعدالة إلا تعبير عن عدم احترام القوات العسكرية الأمريكية للسيادة الوطنية والاتفاقية الأمنية ، ويدخل في مجال الحرب الإعلامية بين واشنطن وطهران ، فقد أقحموا إيران كعادتهم في هذا الملف ، وصفق البعثيون وقنواتهم الفضائية لهذه التصريحات ، واعتبروها وحياً منزلاً ،وطالبوا " ريديرنو " باستعراض الوثائق التي تؤكد تصريحاته. يجب على السياسيين أن يبرهنوا للشعب أنهم بحق رافضون لمشاركة البعثيين في العملية السياسية ، لا أن تكون دعواتهم في وسائل الإعلام تختلف عما يدور في الأقبية المظلمة ، فالسياسة التي يكون غرضها المكاسب الحزبية والفئوية حتى لو أدى ذلك إلى التنازل عن حقوق الشعب هي سياسة خسيسة لا نريدها ، بل الشعب يريد أن يقتص من كل المجرمين الذين سفكوا الدماء وأيتموا ملايين الأطفال ، وجعلوا البلاد تكتظ بمئات الآلاف من الأرامل ، وتضج بأنين الثكالى ، ولا مجال هنا للاستثناءات ؛ لأن ذلك سيفتح الباب على مصراعيه أمام الوجوه البعثية التي ستتقمص قميص " الشاة " وتتبرأ علناً من حزب البعث ، فالإجراء الصحيح المطابق للدستور والقانون هو أن من يُشمَل بقرار اجتثاث البعث أو قانون المساءلة والعدالة يجب على مفوضية الانتخابات أن تبعده عن المشاركة في الانتخابات ، أما الضغوطات التي حاول البعض أن يفرضها على المفوضية أو على هيئة المساءلة والعدالة فيجب أن تفضح على الملأ ؛ لأن الشعب يريد أن يعرف ما هي الأيدي الخفية التي تتلاعب بمستقبل البلد السياسي .
علي محمد البهادلي
https://telegram.me/buratha