حسن الهاشمي
مهما سعينا من أجل الإصلاح، ومهما دفعنا من الكوادر والأكفاء إلى سدة الحكم في العراق الجديد، ومهما طمحنا في رفد التجربة الديمقراطية بروافد النجاح والتقدم، فإن جميع تلك المساعي تبقى متعثرة مادمنا متمسكين بالمحاصصة الحزبية والطائفية والقومية، ومادمنا بعيدين عن روح المواطنة التي ينبغي أن تذوب جميع تلك العناوين في بوتقتها وما تحويه من عنوان الوطن الكبير الذي يستوعب كل الاتجاهات وينظر حيالها نظرة موحدة ويحترم معتقدات الجميع من دون إفراط أو تفريط. وطالما لم نخرج من دائرة المحاصصة البغيضة التي أرسى قواعدها السفير الأمريكي بريمر عند تشكيله مجلس الحكم بعيد السقوط نبقى نئن من عواقبها الوخيمة، وإن كانت ضرورية في نظر البعض في مرحلة معينة من مراحل بناء التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق، ولكنها أفقدت مصداقيتها وأضحت نقمة على الشعب ومعول هدم للبلد، حيث أنها أدت إلى التفرقة والتشرذم وساهمت في إقصاء الكفاءات وإبعاد الصالحين وركل الخبرات، علاوة على أنها أحدثت ثغرات واضحة يمكن للمغرضين والإرهابيين الدخول من خلالها إلى أجهزة الدولة بحجج واهية من قبيل الموازنة والمصالحة والتوافق!!! ومن ثم التحكم بمصائر الناس عموما مما يؤدي إلى غياب العدالة وشيوع حالات الظلم ولا تُستبعَد عودة النظام الدكتاتوري إلى الوجود على أيدي تلك العصابات التي تسللت إلى الأجهزة المهمة في إدارة الدولة ولاسيما الأمنية منها وقاموا وبشكل علني بالدفاع عن الجلاد وإدانة الضحية، وهذه السياسية في حقيقة الأمر إفراط سلبي في المفهوم الديمقراطي في الحكم، الذي ينبغي فيه أن يحترم ويصون كرامة الإنسان سواء أكان من الأكثرية أو الأقلية ويضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه في تعريض أمن المواطن وحياض البلد إلى الخطر. حسن الاختيار في انتخاب المرشحين البعيدين عن شبح المحاصصة هو الكفيل في إبعاد البلد عن المحسوبيات والواسطات التي تدفع إلى دوائر الدولة أناسا متزلفين فاسدين طامعين وتحجب المواطن من أن يتذوق طعم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين جميع أبناءه، ولاسيما إن تجربة المحاصصة قد مرت بفترات صعبة، وأن الناخب الآن يعيش في فترة مصيريّة، قد يتحدد على ضوئها مستقبله لفترة طويلة، وإنّ أي تفريط في الحقوق في هذه الفترة سيكون له نتائج مؤلمة على الأجيال القادمة ـ لا سمح الله ـ.ومن باب إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فإن حكومة المشاركة والوحدة الوطنية والتوافق قد أثبتت فشلها الذريع، وعلينا التثقيف لتشكيل حكومة الأكثرية السياسية والأقلية البرلمانية التي تأخذ على عاتقها المعارضة الشريفة والمراقبة التقويمية لحكومة قوية منسجمة تتعاون معها في البر والإحسان وتحاكمها في الإثم والعدوان، لذلك ينبغي وضع المحاصصة خلف ظهورنا وضرورة تلافيها في التجارب الانتخابية اللاحقة لضمان حكومة قوية نزيهة ومعارضة أقوى هدفها الإصلاح لا الإفساد والتقويم لا التهديم.ومن مآسي المحاصصة توزيع المناصب والمغانم على أساس طائفي وحزبي وقومي لا على أساس الكفاءة والنزاهة والأمانة وهو ما قد منح رجالات الدولة وعوائلهم من الامتيازات ما لم يخطر على قلب بشر، على حساب رفاهية المواطن العراقي الذي لا زال يعاني من شظف العيش وصعوبة الحصول على لقمة الحلال، ولهذا تعالت الأصوات الشريفة مطالبة الأمة بحسن اختيار الكتل السياسية الوطنية التي تحارب المحاصصة بالعمل لا بالقول، ومن بينها توجيهات سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اسحاق الفياض (دام ظله الوارف) حول الانتخابات النيابية المقبلة التي قال فيها: ندعو جميع الكتل السياسية لتظافر الجهود والسعي الجاد لتخفيض رواتب الموظفين الكبار وفي طليعتهم هيئات الرئاسة الثلاث والوزراء والبرلمانيين وأعضاء مجالس المحافظات فإن رواتبهم العالية لم نسمع لها مثيلا في أي بلد من بلدان العالم، في الوقت الذي نجد في العراق من لا يجد لقمة العيش وليس له مأوى يأويه، فعلى جميع الكتل السياسية أن يعملوا على حل هذه المعضلة، وجعل الرواتب في حد المعقول كسائر دول العالم، فإن العراقيين جميعا مستاؤون جدا من هذا الأمر ويطالبون بإصلاحه.
https://telegram.me/buratha