فارس حامد عبد الكريم مرشح الائتلاف الوطني العراقي ـ بابل ماجستير في القانون ـ نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً
جاء في الفقرة (3) من برنامج الائتلاف الوطني العراقي ما نصه ( مكافحة الفساد الإداري والمالي بتفعيل دور مجلس النواب الرقابي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة، ومكاتب المفتش العام، والرقابة الذاتية للإئتلاف على وزرائه وممثليه في مجلس النواب، وسن القوانين التي تضمن ذلك، ومحاسبة المفسد بغض النظر عن شخصيته او انتمائه وموقعه).والملاحظ ان هذه الفقرة قد جمعت بين ثناياها اهم فقرتين يتفق فقهاء القانون على اهميتهما الكبرى في مكافحة الفساد وهما (تفعيل دور مجلس النواب الرقابي، وسن القوانين التي تضمن ذلك).فممثلي الشعب هم في الواقع من ينبغي ان يكونوا في الصف الاول في محاربة الفساد بكل اشكاله، باعتبارهم مؤتمنين على خدمة شعبهم وتوفير فرص السعادة والخير والرقي لهم.ذلك ان الفساد آفة كبرى تبتلع خيرات الشعوب ، وتزيد من معاناتهم وتحجب عنهم ثروتهم الوطنية لتذهب الى جيوب من خانوا الأمانة العامة الملقاة على عاتقهم، وإذا بنا نراهم يسرقون الدواء من المرضى، والمعرفة من التلاميذ، والحقوق من الأرامل والضحايا، والطعام من أفواه الجياع، والبسمة من الخريجين، والعدالة من المظلومين....حيث يعد الفساد الجريمة الأكثر خطرا من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة ، فهو العامل الأكثر تخريبا وتدميرا للمجتمعات الفقيرة والنامية وسببا مباشرا في ضياع فرص التقدم والرفاه الاجتماعي وإحباط خطط التنمية وفي زيادة الفقراء فقرا ، كما انه يفقد الناس ثقتهم بقادتهم ولو كانوا مخلصين وذوي نوايا حسنة ، وكثيرا ما قاد الفساد الدول، التي يجد له فيها مرتعا خصبا ،الى هاوية الانحدار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي . وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية ، كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية الى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد باقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة ، بالنظر لتسرب الأموال المخصصة لمكافحتها الى جيوب الفاسدين ، فالنزاهة هي عماد التنمية وشرطها الأكثر أهمية ،أذ تدعم النزاهة الاقتصاد الوطني والبيئة السياسية والأخلاق العامة .ومن ناحية التشريعات التي تضمن مكافحة الفساد، فشلت في كثير من الأحيان جهود مكافحة الفساد في مختلف دول العالم ، ذلك أن الفساد جريمة سرية ( ضبابية ) يصعب في كثير من الأحيان إثباتها من خلال الوسائل التقليدية القانونية للإثبات والتحقيق ، بالنظر لاحتياط الفاسدين بعدم تركهم ورائهم دليلا ماديا يشير الى تورطهم في هذه الجرائم ، إذ أنها تتم في اغلب الأحيان بعيدا عن أعين الناظرين وخلف الأبواب الموصدة ، ويرتكبها في الغالب أشخاص على قدر من الدراية والمعرفة بأساليب الالتفاف على القانون وفي تسخير المعرفة التي يمتلكونها لأغراض دنيئة ، ولذا يعجز ضحية الفساد غالبا عن إثبات دعواه امام القضاء فيرجع خائبا ومضطرا لان يكون ضحية للفساد في المرات المقبلة أيضا .وازاء هذا التحدي الكبير سعى فقهاء القانون الى إيجاد أنظمة قانونية جديدة تتسم بالفعالية والمرونة في التطبيق تكفل الحد من هذه الظاهرة الخطيرة الى ابعد مدى ممكن ودراسة أسباب الفشل الذي اعترى وسائل مكافحة الفساد ،ومن الأنظمة القانونية الفعالة قانون الكسب غير المشروع، فيما اذا أحسن تطبيقه، وأفضل جهة لتطبيقه هي الهيئة الرقابية المستقلة وقد صدر مثل هذا القانون في عدد من الدول ومنها العراق وهو القانون رقم (15 ) لسنة1958المعدل النافذ ، ولكن إيكال أمر تنفيذه للسلطات التنفيذية في جزء منه ادى الى تعطيله من الناحية الواقعية .وهذا النظام القانوني لا يقوم على إثبات الفساد بشكل مباشر، كالبحث عن دليل مادي ملموس عن الرشوة او الاختلاس، وإنما ينقل الإثبات الى جملة وقائع متصلة تجعل من واقعة الفساد امرأ مرجحا ، كما انه ينقل عبأ الإثبات من عاتق المدعي الى عاتق المدعى عليه ، خلافا للقاعدة العامة للإثبات ، التي تنص على ان البينة تقع على عاتق المدعي، لأن الأصل براءة الذمة ، وعلى هذا فأن القواعد القانونية الثابتة لم تقف عائقا امام الفكر القانوني الحديث وهو بصدد إنقاذ الإنسانية من مخاطر الفساد . ويتضمن هذا القانون إلزام الموظفين بتقديم كشف عن مصالحهم المالية، بما يملكونه من عقارات ومنقولات وأرصدة مالية واسهم وسندات وحقوق ، ومن ثم تتم مراقبة التطور المالي الحاصل للموظف سنويا لتحديد الزيادات المالية الطارئة غير المعقولة قياسا الى دخله السنوي المعتاد، مما يثير شبهة الفساد ومن ثم يخضع للتحقيق ، فإذا عجز عن إثبات مصدر مشروع لأمواله ، التي حصل عليها بعد توليه الوظيفة العامة، تجرى محاكمته وفقا لنصوص الكسب غير المشروع وإخضاعه للعقوبات المقررة في هذا القانون .وقد أوصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في المادة (20) بـ ( اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع ، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا الى دخله المشروع . )ومن الضروري أيضا، حماية ضحايا الفساد الذين يضطرون لمسايرة الفاسدين ودفع الرشاوى لانجاز معاملاتهم المشروعة، التي يعرقلها الفاسدين بغية إجبارهم على دفع الرشاوي ، وذلك بإعفائهم من العقوبة المقررة لجريمة الراشي اذا ما قاموا بابلاغ السلطات المختصة مباشرة عنها ، اذ ان التعرض للعقاب هو السبب في إحجام ضحايا الرشوة عن الإبلاغ عنها وكذلك في صعوبة الكشف عنها ، وفي الإعفاء من العقوبة مصلحة عامة ، اذ يساعد ذلك على الكشف عن عدد ضخم من وقائع الفساد ، وهكذا يمكن ان يكون ضحية الفساد أداة قوية وفعالة في مكافحة الفساد.ومن الضروري ايضا إلغاء نصوص العقوبات الجزائية المقررة في قانون العقوبات لجريمة القذف والسب وقصر ذلك على دعوى التعويض المدنية ، اذ ان تلويح الفاسدين باللجوء الى هذه النصوص العقابية غالبا ما يشكل مانعا من الإبلاغ عن الفساد والفاسدين بسبب خشية المبلغين من العجز عن إثبات دعواهم امام القضاء .ويمكن بتشريع تخصيص جوائز للمخبرين عن الفساد، ووضع نظام عادل للحوافز يقوم على معايير موضوعية لا شخصية لمكافئة رجال الإدارة المخلصين المتفانين في خدمة وطنهم.يتضح مما تقدم ان الأفكار القانونية الحديثة أضافت نهجا جديدا في مكافحة الفساد، يقوم على التوسع في الفروض القانونية وعلى الخروج على بعض المبادئ القانونية العامة المستقرة .
https://telegram.me/buratha