الحقوقي/ حسن العكيلي
حقوق الإنسان و الدور التشريعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبعد مضي أكثر من ستة سنوات على تغيير النظام في العراق وبعد تجربتين انتخابيتين أفرزتا سلطتين تشريعيتين ، الأولى الجمعية الوطنية و الثانية مجلس النواب العراقي ، حري بنا أن نرجع إلى الوراء قليلاً لتقييم التجربة من جهة و التعرف على المكتسبات المتحققة في جانب حقوق الإنسان من جهة أخرى و الطموحات التي يأمل العراقيون عموماً وناشطوا حقوق الإنسان خصوصاً في تحقيقها ويأملوا أن يروا مجلس النواب القادم مهتماً بها من جهة ثالثة .من الواضح أن ابرز المكتسبات التي تحققت هي التداول السلمي للسلطة حيث تعاقب خلال مدة وجيزة أكثر من حكومة وأكثر من سلطة تشريعية وبشكل سلمي وبلا مشاكل ودون إراقة دم ، وهذا الأمر على مستوى البلد ولربما على مستوى المنطقة غير مألوف أو قل غير معتاد حيث بالعادة تتغير الأنظمة السياسية في شرقنا العجيب الغريب عبر الانقلابات المسلحة و الثورات و التي عادة مايصاحبها الكثير من الانتهاكات و القتل ومناظر الدم وهذا الأمر بالنسبة للعراق ولى من غير رجعة ولم يتبقَ سبيلاً للتغيير سوى صندوق الاقتراع ولاشيء يضمن للأحزاب السياسية الوصول للسلطة غير صوت الناخب وهذا الصوت كما هو معلوم يحتاج من الأحزاب الكثير من الجهد و الإقناع بغية الحصول عليه ومن المؤكد أن القادة السياسيون عليهم أن يسعوا إلى كسب احترام الناخب لأكسب حبه و الأمران بالتأكيد مختلفان أي بمعنى إن العواطف تزول بزوال المؤثر في حين الاحترام يبقى ويقود صاحبه إلى اتخاذ القرار السليم .و أذا كان التغيير السلمي للسلطة من ابرز المكتسبات فإن هذا المبدأ جاء عبر دستور دائم صوت عليه نسبة كبيرة من الشعب العراقي و الدستور العراقي على الرغم من وجود بعض الملاحظات عليه من قبل بعض الحقوقيين إلا انه يعتبر خطوة متقدمة على مستوى الدساتير العراقية السابقة وكذلك بالنسبة لدساتير المنطقة .وبموجب هذا الدستور تم إجراء الانتخابات التي أفرزت مجلس النواب الحالي الذي باشر مهامه التشريعية بشكل وبآخر على الرغم من التحديات التي كان يواجهها ومع ذلك فمن المهم أن نؤشر هنا ابرز الأشياء التي تتعلق بحقوق الإنسان ولم يتوفق مجلس النواب الحالي في تشريعها ويأمل العراقيون أن يتوفق مجلس النواب القادم في انجازها ولعل الوعد في انجازها أو بعض منها يشجع الناخبين على المشاركة في الانتخابات ولربما حتى الحصول على أصوات المهتمين منهم و من تلك التشريعات على سبيل المثال لا الحصر .- موائمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق ، حيث صادق مجلس النواب العراقي بموجب قوانين صدرت عنه على مجموعة من الاتفاقيات لعل أبرزها ( اتفاقية مناهضة التعذيب ، اتفاقية منع الإخفاء القسري للأشخاص ، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ... الخ ) .ومن المعلوم أن المصادقة على الانضمام للاتفاقيات الدولية يعتبر الخطوة الأولى أو قل خط الشروع في العمل على تحقيق أهداف الاتفاقية الدولية حيث يجب أن يستتبع هذه الخطوة خطوات أخرى لاتقل أهمية عن المصادقة و من أهم تلك الخطوات هي ( موائمة التشريعات ) .و موائمة التشريعات تعني تطويع القوانين المحلية بما يتلاءم مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها العراق فهناك الكثير من الأفعال مثلاً لم يجرمها القانون المحلي في حين أن تلك الأفعال تعد جريمة وفق الاتفاقية الدولية المصادق عليها .وبدون تلك الموائمة يفقد انضمام العراق لتلك الاتفاقيات قيمته ويصبح معدوماً من الفائدة المتحققة للانضمام إلى الاتفاقية الدولية و المصادق عليها بشكل ( بروتوكولي ) دون أن يكون لتلك المصادقة أي اثر أو انعكاس على الواقع المحلي ، لذا فإن مجلس النواب القادم ملزم قانوناً بموجب الدستور العراقي فضلاً عن إلزامه عقلاً و منطقاً كما بينّا بالقيام بالموائمة التي ذكرناها.الاتفاقيات الدولية التي لم يصادق العراق عليها :كما اشرنا إن مجلس النواب صادق على مجموعة معتد بها من الاتفاقيات الدولية على الرغم من التحديات التي واجهته إلا انه في نفس الوقت لم يصادق على بعض الاتفاقيات المهمة جداً وسأذكر منها اتفاقية واحدة فقط على سبيل المثال لا الحصر إلا وهي اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية ( نظام روما ) .إن الاتفاقية الدولية المذكورة أصبحت جزء من القانون الدولي وما أحالة مجلس الأمن الدولي قضية دارفور إلى هذه المحكمة إلا دليل على صيرورة المحكمة المذكورة جزء من القانون الدولي.
و العراق اليوم جزء من المنظومة الدولية وليس كما كان أيام النظام البائد بلداً معزولاً وخارج الإجماع الدولي ، لذا من الواجب أن يصادق على الانضمام للاتفاقية المذكورة إضافة إلى أن القانون العراقي قد شكل محكمة على غرار المحكمة المذكورة تحاسب مجرمي النظام السابق ، و من المهم أن نشير هنا إلى أن المحكمة المذكورة تختص في النظر في جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان و من المؤكد عراق مابعد التغيير وقادته السياسيين لارغبة ولا إرادة لهم لارتكاب مثل هذه الأفعال و بالتالي ما الضير في المصادقة على الانضمام لتلك الاتفاقية .
التشريعات التي لم تصدر عن مجلس النواب : لم يتمكن مجلس النواب العراقي الحالي من إصدار مجموعة من القوانين غاية في الأهمية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان ومن تلك القوانين التي لم تشرع ( قانون الأحزاب السياسية ، قانون حماية الصحفيين ، قانون حرية الحصول على المعلومة ... الخ ) و أريد هنا أن أشير إلى احد تلك القوانين وهو قانون الحصول على المعلومات ، و هذا العنوان هو واحدا من أهم حقوق الإنسان نصت عليه المواثيق الدولية كما نص عليه الدستور العراقي حيث من حق المواطن أن تعلن له المعلومات وان يستطيع الحصول عليها بيسر .وهذا موجود و معمول به في اغلب الدول الديمقراطية ولعل جمهورية تركيا الجار الملاصق للعراق خير مثال على ذلك إذ أصدرت تركيا القانون المذكور في عام 2004 ولكنا نأمل أن يحذوا مجلس النواب القادم حذو الجارة تركيا في إصدار هذا التشريع .وخلاصة الكلام أن العراق و العراقيين مقبلون على اختيار ديمقراطي جديد وتحدي جديد و على المستويين ، مستوى الناخب و مستوى المرشح ، فعلى الناخب التمسك بحقه بالمشاركة وعدم التفريط به و الإدلاء بصوته لمن يستحق رغم الصعاب ورغم التحديات ، و على المرشح أن يتبنى البرامج التي ترتقي بحقوق الإنسان وتحفظ كرامته كما ألمعنا .
https://telegram.me/buratha