هلال فخر الدين
وكان مسارالتخطيط الحسينى لعودة الوعى للامة على ذراعين:فقد تطرقنا للذراع الاول :سيدتنا زينب الكبرى والان الى الذراع الثانى :دورالامام السجاد فى بيان المظلومية التى اصابت اهل بيت النبوة وكل واحد منهم مكمل للاخرومتساوق معه وفق ظروفهما بتعرية خارطة طريق الارهاب الاموى..وامام هذا الطود الصابر الصامد لايسعنى الا ان اقف بكل خشوع واجلال واكبارللدورالعظيم الذي قام به نجل سيد الشهداء الامام السجاد فى الامة بازاحة الستارعما قاساه ثقل النبى من ذبح وتقطيع اوصال وحتى منعهم الاطفال والنساء من الماء وما لاقوه من السباء وهم اهل البيت الذين اوصى النبى(ص)الامة بهم وليس ما يطبل له الاعلام من انهم خوارج .قام الامام السجاد (ع) بعرض ظلامة ال محمد على الامة فى كل محفل واستغل كل مناسبة وما لاقوه من ابادة وسفك وسباء التى كان لها الاثر الفعال فى شحن الامة عاطفيا ضد التسلط الاموى وكذلك منهجه فى بناء الجماعة الصالحة وبث الوعى فى الامة من خلال الادعية (الصحيفة السجادية )زبورال محمد التى تعتبر من نفائس الاذكار .حيث تؤكد المصادر التاريخية أنّ الإمام علي زين العابدين كان حاضراً مأساة كربلاء بكل تفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة وكان شاهداً عليها ومؤرخاً لها و يعتبر من أهم مراجعها على الاِطلاق بل واصدقها وهو الّذي كان يجلس إليه أبوه الحسين (ع) بين وقتٍٍ وآخر يعدّه ليكون خليفته من بعدهوليتسلّم شؤون الإمامة. ولقد ورد في بعض النصوص التأريخية المعتبرة عن أهل البيت في ذكر أسماء من حضرمع الإمام الحسين أنّ الإمام علي زين العابدين فقد قاتل في ذلك اليوم وقد جُرح. إلاّ أن المؤكد في معظم المصادر التاريخية أو المتفق عليه فيها أنه كان يوم الطفوف مريضاً ً وعندما أدخلوا الإمام زين العابدين على ابن زياد سأله من أنت؟ فقال:أنا عليّ بن الحسين فقال له:أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال الإمام زين العابدين:قد كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال الإمام علي زين العابدين:الله يتوفّى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه.فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: يابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علىّ: اسكتي يا عمّة حتى اُكلّمه، ثمّ أقبل عليه فقال: أبالقتل تهدّدني يابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بالإمام زين العابدين وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم. عاش(ع) آلام السّبي، ووقف أمام يزيد بكلّ شجاعة وقوّة، حتى أسكته وافحمه والقمه حجرا بعد حجرفى مسجدهم وفى سلطانهم مبينا من هم اهل البيت واستمر المريض الاسير المكبل بالحديد على ذلك المنهج من بيان ابعاد كارثة كربلاء وما حل بالذرية الطاهرة من ابادة فعندما وصل ارض الطفوف واستقبله الصحابى جابر بن عبد الله الانصارى الذى سبقه بالوصول لزيارة الحسين فقام السجاد يفصل له ما ارتكب بحقهم من فضيع جرائم بسفك دمائهم ونهب وحرق خيامهم وفرارالاطفال على وجوههم فى البيداء ..وتؤكد المصادر التاريخية ان الامام الاسير ولم يدخل مدينة جده حتى نصب خيمة خارجها لاقامة مأتم عزاء وندب سيد الشهداء وبيان المظلومية المأساوية بكل ابعادها ..وظل الامام على هذا السبيل وكل ماقدم له طعام وشراب الا مزجه بدموع عينيه وحتى بمروره على سوق القصابين يقول هل سقيتم ذبيحتكم (الكبش)(ماء) فيخبروه بالايجاب وفق مستبحات الذبح ..فيجهش بالبكاء والنحيب قائلا لكن الحسين ذبح (عطشان)..التصوير الحى للمأساة بكل ابعادها والصرخة الواقعية المدوية لفداحة الظلامة التى احاقت بسبط النبى (ص) والعترته الطاهرة بايدى التوحش الاموى.
مكانة الامام السجاد العلمية وبناء الثلة الصالحة رغم كل اجواء الارهاب اليزيدى مثل الإمام علي بن الحسين(ع) بصبره وصموده واصراره على مواصلة طريق اجداده من عدم الاذعان للطغاة مهما كانت الصعاب.. وما تجسد فيه من مواقف الحق والثبات على المبدأ ..فقد ولد الامام السجاد فى كنف جده امير المؤمنين وسيد الساجدين الامام علي (ع) وبعدها انتهل من مدرسة عمه الامام الصابرالحسن(ع) واستكملها تحت ظل ابى الاحرارالامام الحسين ..وفي حاضرة الاِسلام الاُولى المدينة حيث كانوا مهد العلوم وروافد العلماء في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابةو كبار علماء التابعين ورغم كارثة كربلاء الرهيبة وماتركته من بصمات تراجيدية على حياة الامام الا انه انطلق(ع) لتكون إمامته مدرسة حركيةً متنوّعة الأبعاد فلم يكن مجرّد عابدٍ يعبد الله في اللّيل والنّهارلم ينعزل او ينطوى بل حفزته المصيبة اكثر فاكثر على مواصلة الدرب ونشر الشريعة وعلوم تفسير القرآن الكريم والسنة إلى أحكام الشريعة حلالها وحرامها إلى فضيلة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الإمام الشافعي: إنّه (أفقه أهل المدينة). وقد استطاع أن يعلّم أساتذة العالم الإسلامي آنذاك فهو أستاذ كلّ المرحلة التي عاشها لأنّه كان يستقبلهم ويعطيهم من علمه علماً ومن خشيته لله خشيةً ومن ورعه ورعاً.وعن سفيان بن عُيينة قال: (قلت للزّهري: ألقيت علي بن الحسين؟ قال: نعم، لقيته وما لقيت أحداً أفضل منه والله ما علمت له صديقاً في السرّ ولا في العلانية. فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أرَ أحداً وإن كان يحبّه، إلا وهو لشدّة معرفته بفضله يحسده ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه، إلا وهو لشدّة مداراته يداريه) حيث تأدبوا بمجالسه بآداب الاِسلام.وكان اسوة يعلّم الناس ويرشدهم ولذلك كانت أدعيته أدعيةً ثقافيةً تعبّرتعبيراًعميقاً عن كلّ قيم الإسلام التي شحنها في أدعيته التي اشتهرت وانتشرت في عهده حتى أصبحت تشكّل لوحدها ظاهرة جديدة في تبني اسلوب روحي متين، ليس لاِحياء القلوب وشدّها إلى الله وحسب ؛ بل إلى إحياء معالم الشريعة وحدودها وآدابها الاَدعية التي حفظ المشهور جداً منها في الصحيفة المعروفة بالصحيفة السجادية(زبور ال محمد).فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم الاَعلم والاَفقه والاَوثق بلا ترديد. فقد كان الزهري يقول: (ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه).. هذا وقد كانت مدرسته تعج بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الاُولى في بلاد الاِسلام، يحملون عنه العلم والاَدب، وينقلون عنه الحديث ومن بين هؤلاء، كما أحصاهم الذهبي :أولاده أبو جعفر محمد الباقروعمر وزيد وعبد الله والزهري وعمرو بن دينار والحكم ابن عُتيبة وزيد بن أسلم ويحيى بن سعيد وأبو الزناد وعلي بن جدعان ومسلم البطين وحبيب بن أبي ثابت وعاصم بن عبيدالله وعاصم بن عمرابن قتادة بن النعمان وأبوه عمربن قتادة والقعقاع بن حكيم وأبوالاَسود يتيم عروة وهشام بن عروة بن الزبير، وأبو الزبير المكّي، وأبو حازم الاَعرج، وعبدالله بن مسلم بن هرمز، ومحمد بن الفرات التميمي والمنهال بن عمرو وخلق سواهم.. وقد حدّث عنه أبو سلمة وطاووس وهما من طبقته. وربى رجال من خاصة شيعته من كبار أهل العلم منهم : أبان بن تغلب وأبو حمزة الثمالي وغيرهم ممن وصف بالخلق الكثيرأخذوا عن الإمام زين العابدين علوم الاسلام.الامام الاسيرالوحيد المضطهد مدرسة نضالية علمية اخلاقية تستلهم منها العبر وهنا اهيب باصحاب الفكرالرصين والاقلام الرسالية الواعية ان تقوم بدراسات وابحاث عن كيفية بناء الامام اولا: لتلك القاعدة العريضة من العلماء وهو المحاصرالمرصود المضطهد من قبل اعتى نظام دموى بالاضافة لما اسفرت عنه تداعيات واقعة الحرة الرهيبة من هتك للحرمات وافتضاض المخدرات وتصفيات جسدية للصحابة والتابعين والقراء ورواة الحديث واخذ البيعة ممن تبقى منهم (خول) عبيد ليزيد فى اجواء قمعية ارهابية مرعبة لاخماد النورالالهى والقضاء على قيم الرحمة المحمدية.. ثانيا: تمكنه من بث العلوم القرانية محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ثالثا: اختراقه لنشرالسنة الصحيحة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثر بما سلف من سياسة المنع من التدوين فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير رابعا:سعيه لربط الامة بالقيم الاسلامية والارتفاع بمستواها الثقافي الروحى فى وقت كانت السلطة الاموية تستهدف افساد الامة بنشر الميوعة والرذيلة فيها لابعادها عن عقائدها واشغالها بالهو والطرب والمتع لاجل الهيمنة عليها..خامسا: كسره للحواجزفى قضية الامربالمعروف والنهى عن المنكرمن خلال تصدى المستمر وباساليب ذكية وفطنة عالية..؟؟!! وبعد اخرعلى قدر كبير من الاهمية وجديربان لايغيب عن ذهن الحصيف هو كيف استطاع الاسيرالكسيرالوحيد المضطهد ان يبعث فى الامة روح الوعى ويستنهضها وحتى تجييشها ضد طغاة البغى والاجرام الاموى واسقاطه ..(بيان المظلومية)؟؟!! اذن حرى بنا ان نتمعن ونستلهم وننتهج خطى الامام السجاد واساليبه فى بيان فادح ما احاق ويحيق بنا من اضطهاد ومطاردة وتهجير وتعذيب وابادة وعظيم مظلومية منذو ان اسست لهذا المنهج الاجرامى عصابات الطلقاء ولحد الان وعلى مختلف الاصعدة تحريض.. تهم..تزيف ..تكفير..ذبح.. تفجير على الهوية ولا زالت فى تزايد مستمروباساليب واليات جديدة اكثر فتكا واشد بربريتا واوسع عشوائيتا ..علما بان خط اهل البيت يلتزم بالاصالة والاخلاقيات والتعايش السلمى واحترام الاخروالانفتاح والتسامح وعقلانية التفكيرومحاربة التخلف والتطرف والعنف .. الامام السجاد رمزا للتربية الاسلاميةكان عليّ بن الحسين(ع) يعيش ليله ونهاره مشغولاً بالإسلام كلّه حيث جسده خير تجسيد يغرس في نفوس المجتمع الإسلاميّ الروحانيّة التي تربطه بالله وبخوف الله وبمحبّة الله وبالجهاد في سبيل الله. واستطاع أن يجعل كلّ حياته مليئةً بالجهاد في مواقع الدّعوة الإسلاميّة؛ كان كرسول الله (ص)وجده الامام على وكأبيه الحسين ينطلق من موقع المسؤوليّة .وهنا لابد من الاشارة الى موقف فذ فريد لم يسلكه ابدا اى انسان غير اهل بيت العصمة والطهارة (ع) يذكر المؤرخون على اثر ثورة المدينة هجمت جموع الامة على بيوت بنى امية (الشجرة الملعونة فى القران) لابادتهم واراحة الامة من شرورهم فلم يجدوا مفرا اومفزعا او ملجأ ياويهم ويأمنهم غيربيت الامام على ابن الحسين يفيئوا اليه ..وفعلا استقبلهم الامام واسكنهم وخفف من روعهم حتى اخرجهم من المدينة مع غلمانه وارسلهم الى الشام وكل اناء بالذى فيه ينضحوا ..ومن اخلاقيات اهل البيت المذهلة ان الامام السجاد قال: لو أئتمنى قاتل ابى على السيف الذى قتل به ابى لاديته اليه .. يقول الاستاذ العقاد ان اخلاقيات اهل البيت جنت عليهم ..ويذكر وقائع لهم تمثل منهاج الاسلام الرسالى فى التعامل مع الاخر بروح الانسانية واسمى ايات التسامح إنّ هؤلاء هم أئمّتنا هم قادتنا هم هدانا هم الذين نواليهم من كلّ عقولنا موالاة العقل والقلب والحياة. ليست المسألة بيننا وبين أهل البيت(ع) مسألةً عاطفيةً ولكنّها مسألة إماميّة إسلاميّة مسؤولة. إنّ أهل البيت لا يريدون منّا أن نحبّهم حبّاً شخصياً بل أن نحبّهم حبّاً رسالياً. أمّا قضية بكاء الإمام زين العابدين(ع) فإنّه كان يريد أن يثير قضيّة الحسين لتعيش في وجدان كلّ النّاس انها قضية المظلومية التي عاشتها الامة الاسلامية والتى جسدها الامام الحسين بكل ابعادها او بكل ابعاد المظلومية التى قاستها الامة من ائمة الجورلا من ناحية قرابته له بل من ناحية أنّه يرى في الحسين الإمام الذي ورث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد في الدّعوة إلى الله والإخلاص إليه. هؤلاء هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً. اذن نلاحظ ان منهج الامام الحسين لنهضته وما بعدها كان تخطيطا سياسيا رساليا رائعا وكل وسائله عبقرية نابعة عن فكر سياسي محنك حكيم لم يترك موقفا ايجابيا ولابارقة ولا شاردة الا استثمرها لنهضته سواء فى تنبيه الامة وتحذيرها ام بحلحلة الوضع وقلب الامورعلى الظالمين او كسراطار الخوف والرعب الذي كان مستولى على الامة..وكان من النتائج السريعة التى اتضحت معالمها من اصطحاب عائلته وكان محورذلك زينب والسجاد ذراعي بث الوعى فى الامة وفضح جرائم النظام وبيان فادح المظلومية التى احاقت بالاسلام وظهور نتائجهاواكلها سريعا واصبحت وبالا على النظام وهزته فى عقرداره بحيث ان يزيد النشوان بالنصرالجذلان بالانتقام نلاحظه بعد ايام قلائل وبتاثير مباشر من خطب الامام السجاد والعقيلة زينب يلقى بتبعية تلك الكوارث على عبيدالله ابن زياد قائلا :قبح الله ابن مرجانه لو كنت مكانه لقبلت من الحسين وعفوت عنه ..!! ويوما بعد يوم ترتفع صرخات السجاد وتتسع وتتجذرفى ضمير الامة وما هذا المد الانسانى المتعاظم فى التعاطف بطول مدة التظاهرات المليونية الحاشدة الفريدة المنظمة من غير منظم والموحدة الشعار من غير موحد الا من(هيهات منا الذلة)من كل فج عميق وفى كل بقاع المعمورة الميممة شطر قطب الصمود وكعبة الفداء ومنارالثوارفى اربعينية ابى الاحرارالامام الحسين مما لم تشهد له البشرية مثلا سواء فى العمق التاريخى ام فى امتداداتها فى الزمن الحاضر ومن المستنكرا جدا ان وكالات الانباء والفضاءيات دع عنك العربية منها لتبعيتها التامة للانظمة الاستبدادية او لهوسها الطائفى المقيت لكن كلامنا للوكالات الدولية والمحطات الاخبارية العالمية التى تزعم الموضوعية والاعتدال والشفافية ونصرة الفكرالمنفتح المتسامح المسالم فى التغطية الاعلامية تجاهلها المطبق لما يحدث اليوم فى العراق الجديد وبقية الاقطارمن مراسم ولاء وتحدى عظيم وغير مسبوق للارهاب وتخليدا لرمزالحرية والتضحية من اجل القيم الرسالية والمباديءالانسانية فى مقارعة الشروالاشرار(الامام الحسين عليه السلام)..فى حين ترصد كل خبر تافه وتتبع كل موقف هزيل وان كان نائيا فى الغابات او وعرا فى قمم الجبال او فيافى الصحارى وبطون الوديان..وما تفتأ حتى من تناقل تصريحات عصابات الارهاب والتطرف وتتغافل عن حشود الوعى المناهضة لعصابات الظلام والتكفيروالارهاب..لكن نزعة المصالح غلابة قهارة تكتسح فى طريقها العهود والمواثيق والمباديء بل والنصوص نفسها..انها نزعة تملك عليهم نفوسهم وعقولهم ووجدانهم وتعطل ملكة التفكير السديد عليهم فلايرون القيم إلا قيود تحول دون انطلاقهم الى مأربهم ...
https://telegram.me/buratha