أحمد سعيد / أستراليا
لقد شعر صدام باليأس وقلة الحيلة وهو يخاطب حسين كامل قائلا ( راحت منا ) ، فهو الأدرى بمقدار الظلم الذي ساقه ضد العراقيين خلال سنوات تسلطه عليهم ، وإن ساعة عقاب الشعب له قد حانت وبدون رحمة او هوادة ، فتناقلت وكالات الانباء العربية والعالمية في تلك الفترة أنباءً متضاربة من هنا وهناك عن هروب صدام الى الجزائر ومقتل نجله عدي في البصرة ، وغيرها من الانباء والاشاعات التي تعطي إنطباعاً عن يأس النظام وإنفلات الاوضاع داخل البلد .سعى صدام الى تهريب عائلته من العراق الى تركيا من خلال رسالة بعث بها الى رئيس الوزراء التركي وقتها (تورغوت أوزال ) ، لم يعطه الاتراك ردا مباشرا لطلبه ، وأخبره رئيس وزراءها انه بحاجة لمعرفة رأي الامريكان بهذا الخصوص .كان الرد الامريكي الغير متوقع أبدا بالنسبة لصدام الذي أنهى شراكته بهم بعد خروجه على سيناريو حرب الكويت بأرتجالاته الهوجاء ، بمثابة البشرى التي دعت صدام الى رقص ((الجوبي)) بهستيريا في مخبأه السري في الاعظمية أيام الثورة قررالامريكان تغييرإستراتيجية الحرب وطلبوا من قائد قوات جيوش التحالف في الكويت الجنرال الامريكي نورمان شورازكوف والذي كانت جيوشه تكتسح ساحات المعارك في الجنوب بأتجاه بغداد ، وقف العمليات العسكرية وفتح الطوق عن الدبابات العراقية المحاصرة في منطقة الشعيبة جنوب العراق ، وذلك بعد ترويج المخابرات العراقية وكما أسلفنا للشعارات الاسلامية للثورة والخوف من ميولها وتوجهاتها الفكرية المقاربة للثورة الايرانية والتي تكن العداء من أول أيام إنطلاقها لامريكا والرأسمالية العالمية ، وكذلك النصح الدولي والعربي ، حتى من قبل الدول العربية التي شاركت أمريكا في حربها ضد العراق بإلابقاء على نظام البعث وصدام ضعيفاً خيراً من المساعدة على إسقاطه ومجيء البديل الشيعي الذي تتخوف منه امريكا ودول المنطقة وخاصة السعودية ودول الخليج الاخرى ومصر وكان لهذه المواقف مجتمعة دورها الذي لا يُنسى بالنسبة لنا نحن العراقيين في تدمير العراق وإحالته الى خربة يعيث فيها صدام وأزلامه ، وبالتأكيد فأن لإحقاد التاريخ ما برر مواقف العرب من ثورة 1991 ومساندتهم للبعث وصدام في تلك المحنة برغم إدراكهم لميول صدام العدوانية والاجرامية إتجاه كل دول الجوار من العرب وغيرهم .مهد السماح الامريكي وتنازلات خيمة صفوان ، الطريق لعلي حسن المجيد في البصرة والذي كان متواجداً في منطقة الخورة للتحرك بأتجاه الثوار في مناطق وأحياء البصرة مستعينا بما تبقى من القوات المهزومة في حرب الكويت والتي وافقت القوات الامريكية على الابقاء عليها وخاضت تلك القوات معارك طاحنة ومريرة ضد الثوار في مناطق الجمعيات والحيانية وام الرباط والبصرة القديمة والجمهورية والكزيزة وخمسة ميل والقرنة والديروغيرها من المناطق التي تركت في تلك الايام صفحات مشرفة لتأريخ العراق في الصمود والبسالة والتحدي ، ولكن قلة إمكانيات التسليح في مواجهة الجيش وعدم توفر الدعم اللوجستي والمواد الغذائية ساعدت علي حسن المجيد من التنكيل بالثوار والبطش بهم بوحشية ليس لها مثيل في تاريخ الشعوب ، فقام بأعدام المئات من البصريين في الشوارع ، وقصف بمدافع الهاون الاحياء السكنية دون رحمة ، وهدمت الدبابات والطائرات سوق المغايز الكبير بأكمله لتنّقل الثوار من خلال أزقته الضيقة أثناء المعارك .وفي الناصرية تحركت قوات الحرس الخاص نحو المدينة من محورين الاول من شمال شرق الناصرية بعد أقتحام تلك قوات لمدينة العمارة بقيادة عزت إبراهيم وهشام صباح الفخري والتنكيل بالثوار بعد معارك قاسية وصعبة ، كبد فيها الثوار قوات الجيش المهاجمة خسائر فادحة وكبيرة .وفي ناحية الاصلاح والتي تعتبر المدخل الشمال شرقي للناصرية بعد مدينة العمارة خاض الثوار معارك مريرة أستمرت لإكثر من ست أيام من المقاومة الباسلة والشجاعة من أهلها ضد الجيوش المتمرسة على الحروب والمزودة بالمعدات والدبابات والطائرات والمدرعات الحديثة والتي تعتبر أسلحة الثوار بدائية اذا ماقورنت بها وتمكنت فيها قوات الحرس الخاص والحرس الجمهوري من فرض سيطرتها على الموقف هناك بعد تكبدها خسائر كبيرة جداً ، وأستشهد عدد من أبناء هذه الناحية من الفلاحين والموظفين وطلبة الجامعات ، وأنسحب بعض المقاتلين بأتجاه مركزمدينة الناصرية لدعم المقاومة فيها.وفي ناحية الفهود والجبايش أبدى ثوارها من المواقف البطولية الرائعة ما كان محل تفاخر وتباهي لاهلها ، فقد قام احد أبطال ناحية الفهود بربط رجله بالجسرالذي كانت القوات تحاول العبور منه بأتجاه مركز الناحية ، وظل يقاتل حتى تمكن من قتل العشرات من مرتزقة البعث وأستشهد بعدها وتمكنت القوات من دخول الناحية والتنكيل بسكانها وهدم منازلهم وإقتياد أبناءهم الى المشانق كما فعلت بالمناطق الاخرى .والمحور الثاني بأتجاه الناصرية كان من شمال غرب المدينة بعد المقاومة الضعيفة وشبه المنعدمة من أهالي الكوت والذين ربما كان لقرب مناطقهم من الحدود الايرانية من جهة بدرة وجصان ونتيجة عدم ترحيب ألايرانيين بتلك الثورة لاسباب لا مجال للخوض فيها الأن في هذا المقال ، من أهم الاسباب التي عجلت بوصول قوات الحرس الخاص الى مدخل مدينة الناصرية من هذه الجهة ، وكانت تلك الجيوش قد توجهت الى الناصرية تحت إمرة محمد حمزة الزبيدي وعزيزصالح النومان الخفاجي ، والذي عُين محافظاً هناك بعد سقوط المدينة بيد قوات الحرس الخاص .لم يكن الدخول الى الناصرية بألامر الهين على قوات الحرس الخاص ذات التدريب المميز والعالي ، فقد أحتاجت الى أيام طويلة أمتدت لاكثر من إسبوعين ، لاقت فيه من المقاومة الباسلة لابناءها الشجعان ماترك لنا هذا ألارث الكبيرمن البطولات والمفاخر التي نتشرف بالحديث عنها في سردنا لاحداث تلك الثورة .وكانت معارك جسر الهولندي والتي قاتل فيها الثوار قتالاً قلما نجد له نظيراً في تاريخ الحروب الاهلية وحرب الشوارع ، وأستبسلوا في عدم السماح للجيش بالدخول الى المدينة من خلال هذا الجسر وسقط المئات من الابطال ممن ربطوا أرجلهم بالسلاسل الحديدية لهذا الجسر، وكانت تلك المعارك هي الشاهد على المواقف البطولية المميزة لابناء هذه المدينة في مقارعة النظام البعثي والوقوف بوجه بكل صمود وبسالة .لكن كثافة القصف المدفعي وتدمير الطائرات المروحية العسكرية للسواتر والاحياء السكنية وتفجير المنازل وحرقها بالقنابل والصواريخ كانت من أهم الاسباب التي مكنت قوات الحرس الخاص من أقتحام المدينة والبطش بأهلها ، وبعدما قاتل الثوار فيها قوات الحرس الخاص من شارع الى شارع في أزقتها وأحياءها ومدارسها وأسواقها وتمكن الثوار من إسقاط وإصابة عدة طائرات عسكرية مقاتلة قبل السماح لتلك القوات من الدخول الى المدينة .أُقتيد المواطنون الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ والشباب الذين لم يشتركوا في الثورة وبعد النداء بطائرات الهليكوبتر والطلب من السكان إخلاء المدينة والتوجه الى خارجها ، ومن ثم تم ترحيل الألأف منهم الى معتقلات وسجون معسكر الرضوانية التابع لقوات الحرس الخاص ، بعد وضعهم في حافلات عسكرية تابعة لتلك القوات ونقلهم الى بغداد . وهناك قامت قوات الحرس الخاص بتصفيتهم وإعدام المئات منهم بعد قيام الجرافات بحفر خنادق ووضعهم فيها وطمرها عليهم وهم أحياء .في 22 أذار من عام 1991 إنسحب المقاتلون الى جنوب المدينة بأتجاه الفضلية وسوق الشيوخ والذين أبدى أهلها من المواقف البطولية ما لايقل عن معارك قلب المدينة .ولكن إزدحام سوق الشيوخ بجموع المقاتلين وضمن رقعة جغرافية صغيرة بعد إنسحابهم من بقية المناطق وإطلاق الجيش لقاذفات الهاون والمدافع وصواريخ الطائرات على الاحياء السكنية في هذه المدينة دون رحمة وقتل المئات من المدنيين في الشوارع وإرسال التهديدات من خلال مكبرات الصوت بالطائرات والسيارات العسكرية ، بأن قوات الجيش سوف تدمر المدينة بكل سكانها بصواريخ أرض أرض والطائرات الحربية إذا أستمر الثوار بالمقاومة ، كل هذه الاسباب دعت المقاتلين الى الانسحاب بأتجاه تل اللحم حيث كانت القوات الامريكية هناك تتفرج على تلك المجازر دون أن تحرك ساكناً ، وتم إخلاء المدينة وتسنى بعدها للجيش من دخولها ليقوم بنفس الاعمال اللانسانية والجرائم التي أقترفها في بقية المناطق .للموضوع تكملة في حلقات أخرى .
https://telegram.me/buratha