كريم الوائلي
السعي الامريكي باقحام البعثيين القسري في العملية السياسية وبخلاف مايسمح به الدستور يلقي بظلال الشك على مسوغات دخول قوات التحالف الدولي الى العراق واسقاط النظام الدكتاتوري وويوفر لخصوم الولايات المتحدة والمتحالفين معها مزيدا من مبررات التحريض والعداء للسياسة الامريكية في المنطقة ويضعف ثقة المتحالفين معها ويؤكد على ان الجانب الامريكي لا يكترث إلاّ بمصالحه وليذهب الآخرون الى حيث ما يذهبوا ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فأن الاصرار على لوي ذراع الشرعية الدستورية يمثل انقلابا غير محمود العواقب على النظام الديمقراطي واستفزازا في غير محلة لارادة الشعب العراقي ، كما ان نسج خيوط السياسة الشائكة خارج مشغلها المناسب والى الحد الذي يسمح معه زرع عضو معّوق للعملية السياسية ومضاد لها ويشكل فتيلا مدمرا فيها انما ذلك يسيء اساءة بالغة للسياقات الدستورية التي قامت على اسسها الدولة العراقية بعد سقوط الدكتاتورية ، ويثير تساؤلات مشروعة حول جدية الشراكة ومصداقية رعاية المشروع السياسي العراقي ، وتبعا لذلك فهو مقلق للاطراف الوطنية الفاعلة في بنية العملية السيياسية ومضاد لارادة الشعب وللقوى الراعية للتحولات الوطنية والتي نالت رضى الشعب العراقي وتأييده ، كما يمثل استهانة بتجربة القوى الوطنية العراقية التي تمكنت من اقناع الشعب العراقي بصحة ومصداقية التحالف الدولي مع العراق وبوعود رفع الاستبداد البعثي عنه وبشكل نهائي ، وفي الوقت الذي نجد فيه ان الاساءة الى مؤسساتنا الدستورية ، ومن اية جهة كانت ، يأتي متناغما مع رغبة واهداف اعداء العراق الجديد الناقمين على التجربة الديمقراطية يأت عوقا امريكيا مفاجأ تمثل بمحابات البعثيين ، الاعداء التقليديين للشعب العراقي ، والتملق لهم وفي توقيت خاطيء وعلى تضاد مع مسارات الدستور والقانون ، وهذه ليست المرة الاولى التي يأتي بها البعثيون على ظهر قطار امريكي فقد سبق لهم ان أتوا بقطار امريكي عام 1968 عندما تحاف عبد الكريم قاسم مع النظام السوفيتي المنهار ، والمعروف عن البعثيين انهم يجيدون ركوب الموجات السياسية ، فعندما ظهرت الموجة الاشتراكية سارعوا الى ركوبها ، وعند ظهور الموجة الاسلامية حاولوا تقليدها واليوم يحاولون ركوب الموجة الديمقراطية ، واذا كان هذا قد انطلى على الادارة الامريكية فأنه لن ينطل على شعبنا الذي خبر حرباءيتهم وضحكهم على الذقون . والمثير للقلق ان ذلك جاء متزامنا مع النزيف المستمر للدماء العراقية حتى هذه اللحظة ومع تصاعد وتيرة التفجيرات التي يقوم بها التحالف البعثي - التكفيري والحاق المزيد من الاذى بالشعب العراقي صاحب المصلحة الاساسية بالمشروع السياسي والمانح الاول لمشروعيّته والراعي الموثوق به والضامن المعتمد عليه الامر الذي يفهم منه ان اقحام التحالف البعثي - التكفيري في الانتخابات هو نوع من المكافأة المجزية لاجرامهم ، ومن المؤكد ان الارهابيين سينظرون الى ذلك بمثابة انتصار لهم وشهادة بحسن سلوكهم الاجرامي وبالتالي فأنهم على استعداد لرفع مستوى اجرامهم و سقف اهدافهم الى الحد الذي ينذر بجدية المخاطر المجهضة للنظام الديمقراطي ومن ثم العودة بالبلاد الى ما هو اسوء مما كان قبل سقوط النظام البائد وعندها سيكون شعبنا ، وكما كان دائما ، هو الضحية ، ومن الخطأ الفادح مكافأة المجرمين في وقت يكون فيه شعبنا غارقا بدماءه وبمرارة مأساته ولا يستطيع ان يدعي اي من الاطراف السياسية انه يمتلك مفاتيح تهدئة الضحايا وطمأنتهم بأن عناصر القاعدة وحلفائها البعثيين قد تخلوا عن اجرامهم ، ومن الخطأ ايضا ان يعتقد الطرف الامريكي انه يفهم الهاجس العراقي ويظهر نفسه على انه عراقي اكثر من العراقيين انفسهم والى درجة يفهم منها انه العارف والمجرب بطرائق وسلوكيات من ذاقوا العراقيين مرارة القهر والاستبداد عقود طويلة . وبغياب ضمانات معقولة - وهي ضرب من الوهم - فأن من المفيد ان يتمعن الجميع بما في ذلك الادارة الامريكية بالنتائج المأساوية والمؤكة لعاقبة دخول الاطراف المعادية للنظام الديمقراطي الجديد في العراق الى العملية السياسية وما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة للغاية وعندئذ يصعب على الاطراف الوطنية ان تجعل من الشعب العراقي حقل لتجارب جديدة دلّت الاحداث على فشلها كما دلّت على عدم استفادة الجانب الامريكي من فشلها . ان تدخل دول عربية مشخّصة والادارتين الامريكية والبريطانية وبشكل مباشر بعمل المؤسسات الدستورية افقد العراق فرصة لتجذير استقراره بوقت اقصر وبضحايا اقل ومنح التحالف البعثي - التكفيري الوقت اللازم للافلات من المسائلة القانونية عن جرائمهم بحق الشعب وربما يراد من وراء ذلك منحهم نوع من الحصانة تحول دون تطبيق العدالة عليهم ، ولا بد من التأكيد على ان منع الصداميين وحلفائهم التكفيريين من المشاركة في الانتخابات ليس بدافع القلق من حصولهم على اصوات وانما هو استحقاق قانوني وتدبير دستوري مشروع يراد منه تحقيق العدالة لضحايا النظام الدكتاتوري ويضمن صيانة النظام الديمقراطي ويحد من الجريمة السياسية واعمال العنف التي تطال المدنيين العراقيين ، كما ان شطب اسماء من ثبت تورطهم بمشاركة النظام الدكتاتوري بقمع الشعب العراقي لا يستهدف السنة كما توحي بذلك قصديّا بعض الاصوات في الداخل والخارج وغيرها ممن يجهلون الاوضاع في العراق والدليل القاطع على ذلك هو ان غالبية المشطوبين هم من البعثيين الشيعة . ويبدوا بالدليل القاطع ان دولا عربية ومعها الادارة الامريكية اصابها الهلع والرعب من ملايين الشيعة المحتشدة في كربلاء المقدسة ، بل ان جهات عراقية بعينها اسقط في اياديها وطاشت تدبرتها خوفا من تلك الحشود الهادرة للحرية والسلام الاهلي ومن ظهور تمظهر لشعب شيعي اكثر من تمظهر لطائفة شيعية فأتفقت تلك الاطراف على اتخاذ قرارات معوقة للنظام الديمقراطي الذي ناضل الشيعة في سبيل تحقيقه وبذلوا ملايين الضحايا من الشهداء والمفقودين والمعوقين والمهجرين واليتامى وعاشوا شضف العيش والحرمان لاجل تجذيره واستقراره ، فالملايين المحتشدة الان في كربلاء قد قاربت ثلثي سكان العراق وهي بهذا العدد كافية لاثبات شرعية مطالبتها بحقوقها الدستورية على اعتبار ان الديمقراطية تحقق ارادة الاكثرية وان الشعب هو مصدر السلطة وهو من يشرّع الدستور ويصوت على تمثيل مجلس النواب ، وعلى ذلك فأن الشعب العراقي لن يسمح بعودة الدكتاتورية - وتحت اي مسمى كان - الى السلطة مجددا وان الملايين منه ستعلن العصيان المدني والاقامة في الشوارع حتى اسقاط اية حكومة مفروضة عليه بالقهر والتزوير وان مشروعية رأي الملايين اقوى من اية مشروعية اخرى وان هذه الملايين متواجدة في الساحة ومؤهلة للوثوب في الشارع متى ما توجست خطرا يداهم شرعيتها ويهدد وطنها .
https://telegram.me/buratha