حيدر قاسم الحجامي -ذي قار
الحديث عن الرجال لايخلو من متاعب ومصاعب وبالأخص حينما يكون الحديث عن شخصية كبيرة ومثيرة للجدل مثل شخصية المفكر الشهيد محمد باقر الصدر (قدس)الذي مثل في تحركه الإصلاحي انتقالا فاصلا بين زمنين لاينتميان لبعضهما في كل الاحتمالات ...ومقالي هذا ليس للإطراء لأنني على يقين تام ان شخصية كشخصية الامام الصدر لاتحتاج الى أي إطراء هذا أولا وإما السبب الثاني إننا في زمن ينكر الإطراء بل ويستنكره الى ابعد ماتحمله الكلمة من معنى بل ونعتبر الخروج من ثقافة الاخوانيات انتصاراً لقيم النقد العلمي الموضوعي لان الجميع يدرك أنها ثقافة اللاثقافة ومسخ لقيم التنوير المطلوبة من وراء استقصاء اثأر الشخصيات المؤثرة في حياة الشعوب ودراسة حركتها دراسة موضوعية تفكيكية للاستفادة منها في عملية البناء الحضاري باعتبارها تجارب حية نابضة ...وإيمانا منا بان النقد العلمي هو تأسيس حقيقي لمنظومة وعي أنساني ناضج وفاعل نحاول تسليط الضوء على ثورة الشهيد الصدر الفكرية فهي تجربة لها معطياتها و ترتكز تاريخيا الى المنبع الأصيل للمدرسة الفكرية الإسلامية، ومثلت انقلابا جذريا في الفضاء الفكري السائد حتى وان ابتعدت عنها أقلام النقاد والباحثين لمختلف الأسباب ...لكنها تبقى تجربة لها فهمها الموضوعي المرتبط بعوامل الجدل اللامالوف، ومحاولة فكرية ثائرة تحاول التخلص من محنة التسطيح التي ابتلي بها الفكر الديني عامة والفكر الاسلامي خاصة واللهاث وراء التوقف اللامجدي عند قشور الظواهر والأزمات التي تعيشها الأمة على المستوى الفكري وسعي حثيث لكسر حاجز الصمت إمام خداع العقل والادعاءات الباطلة للبعض والمحاولات البائسة لرسم ملامح باهتة لكل شيء ...ولهذا فان البعض لم يستوعب هذا التحرك وحاول تحجيم هذه الحركة وإبقاءها ضمن هامش ضيق ولكن إيمان الشهيد الصدر بعدالة القضية وأدركه لحجم المسؤولية الشرعية والتاريخية لم توهن عزيمته ولم يتوقف عن الغور بعيدا في اسبار الفكر الاسلامي وقراءة الإحداث بروح العصر بعيدا عن التعصب وآملأت العاطفة والمجاملات ...لذا لم يهادن في عملية مكاشفة جريئة قليلة الحدوث زمنيا ومكانيا ...مفضلا إبقاء حركته ضمن هامشها المريح وأبى ان تغادره الى متن قد يملي عليها شروطه ويخضعها لمقاساته الجامدة وفقا لنظريات الترويض الذاتي وقهر الذات مقابل السائد ومثل هذه النظريات المقولبة لمفاصل المشهد الفكري الملغوم باتساع دائرة المحرم فيه، والمبتلى بتحديد نمطية الحركة العلمية التي أخضعت وعبر عقود طوال من أسلبتها الى مسلمات غير علمية ومنطقية ...لم يؤمن الشهيد الصدر بهذه النظريات ولم يأخذ بنظرية تحديد الانسيابية المعرفية واللحظة الحتمية بل كان يدرك تماما ان الوعي الحقيقي لابد ان يكون مستندا الى العلم واعتباره أي الوعي وسيلة لتحرير الذات الإنسانية من الانحطاط القيمي ...وهذه الدعوة كانت تعني تمردا واضحا على المألوف وكسر لقواعد متوارثة تعتبر رصينة لايجوز الخروج عنها أو حتى الاقتراب منها لأنها ألبست ثوب المقدس الديني ..وهذه تحديات داخلية واجهت حركة الامام الصدر المعرفية التغيرية ولكنه أبى الانخراط في صفوف بعض رجال الدين الرسميين أو أولئك المفكرين الذين يمارسون هذه العملية في حدود التمظهر الوجودي للانتفاع من مكاسب المعرفة التي يدعونها لأنفسهم ...،وعلى الرغم من ضيق مساحات التحرك التي كانت إمامه إلا انه وجد مساحات هائلة وثغراث كبيرة تركها ورائهم أولئك الرسميون أو أولئك المدعون للفكر فعالجها معالجات موضوعية مبتدأ بتشخيص مواطن الخلل في الفكر الإسلامي ومن ثم بدا بطرح حلول عملية وعلمية في ذات الوقت من خلال كتاباته المتعددة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة من وجهة نظر إسلامية، حين لاحظ ان هناك قصورا في هذه المجالات ،وبهذا يكون الشهيد الصدر أرسى قواعد رصينة لنهوض الحركة الإسلامية المعاصرة التي أخذت بروح العلم والإسلام وواجهت تحديات العصر بروح التحدي وبدأت الحركة الإسلامية بصعود نجمها وخصوصا في نفوس الشباب الطامح والمثقف وبدأت المواجهة تتصاعد فكريا،ومثلت منهجا ثوريا خلاقا وهي تجربة برغم ما إحاطتها من الالتباسات إلا أنها كانت ولاتزال مدرسة معطاءة وثرة، تستفاد منها الأمة في عملية تأسيس وعي جمعي متنور ،ومن هنا أدركت الأنظمة الدكتاتورية أنها لايمكن ان تستمر بمشروعها التدميري في ظل وجود حركة حية وواعية مثل حركة الامام الصدر ،ولهذا أصدرت السلطة قرارها بإعدام الدعاة سيء الصيت والغريب من نوعه في القوانين الدولية ، ولم يكن مسبوقا في تاريخ العراق الحديث على الأقل فهو عاقب على الفكر وأقصى الرأي الذي يعتبر مقدسا في القوانين والأعراف الإلهية وحتى الوضعية منها ،وازدادت حدة المواجهة بين السلطة من جهة والأمة المؤمنة المتمسكة بمشروعها الواعي من جهة أخرى ، وأقدمت السلطة على إعدام المفكر الكبير محمد باقر الصدر(قد) وسط صمت عالمي وإقليمي مريب وبرغم من هول الصدمة لكن هذا الحدث لم يكن نهاية المطاف بالنسبة للحركة الإسلامية في العراق بل كان ترسيخا لأُسها التاريخي وتجسيدا لمنهجها الثوري،وهنا تشابهت السلطة المستبدة مع نظيراتها عبر التاريخ في موقفها من المصلحين وذلك بإقصائهم جسديا إلا أنها لم تدرك ان المنهج الفكري لايمكن إقصائه بالقوة والعنف ،وعلى عكس التوقعات بخفوت نجم الحركة الإسلامية واندثارها في العراق أصبحت هذه الحركة على اختلاف مسمياتها تتنامى طوليا مع إرادة الشعب العراقي الذي اعتبارها البديل الأمثل لااقامة نظام حكم عادل تسود فيه الحرية وتحترم فيه حقوق الإنسان على مختلف اتجاهاته الدينية أو الفكرية منها .
https://telegram.me/buratha