عادل الجبوري
ثلاث احداث رئيسية شهدتها الاونة الاخيرة في العراق اشرت الى قدر كبير من التعقيدات والاحتقانات في المشهد السياسي العراقي، وبدت تلك الاحداث وكأنها امرا طبيعيا في عملية سياسية قائمة على سياقات واليات ديمقراطية، وكذلك استحقاقا طبيعيا لمرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولكن جزء اخر منه -وهو الذي طفى على سطح المشهد السياسي مؤخرا اكثر من غيره بدا غير ذلك وانطوى على ما هو خطير ومقلق الى حد ما.اما الاحداث الثلاثة فهي:-اعلان هيئة المساءلة والعدالة، التي كانت سابقا تسمى بهئة اجتثاث البعث، بشطب خمسة عشر كيانا سياسيا من وحظر مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكان من بين الكيانات الخمسة عشر، الجبهة الوطنية للحوار الوطني برئاسة النائب صالح المطلك، وهذا الامر يستتبع تلقائيا منع المطلك من ترشيح نفسه للانتخابات.-ادلاء النائب ظافر العاني رئيس كتلة جبهة التوافق العراقية في مجلس النواب العراقي، بتصريحات تلفزيونية دافع فيها عن نظام صدام السابق، واعتبر ان حروبه وجرائمه مدعاة للفخر والاعتزاز، ووجه انتقادات لاذعة للقوى الوطنية التي كانت تمارس العمل السياسي المعارض من خارج العراق، وطالب بعدم ترشيح الرئيس جلال الطالباني لولاية رئاسية ثانية.-الكشف عن مخطط لتنفيذ عمليات ارهابية في العاصمة بغداد تستهدف وزارات ومؤسسات حيوية على غرار ما حصل في الاربعاء الدامي، والاحد الدامي والثلاثاء الدامي، بل واكثر من ذلك، حيث تم اعتقال عشرات الاشخاص المتورطين في ذلك المخطط اضافة الى كميات كبيرة من الاسلحة والمتفجرات والوثائق التي تؤكد ضلوع حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة بذلك المخطط.ولاشك فأن المراقب والمتتبع يمكنه ان يجد نقاط التقاء عديدة بين الاحداث الثلاثة، بحيث ان الحديث عن عامل المصادفة قد لايصمد كثيرا امام المعطيات والمؤشرات الواقعية.فمشكلة صالح المطلك شغلت حيزا كبيرا في الاوساط السياسية ووسائل الاعلام والشارع العراقي، واعطيت من الاهتمام والتركيز اكثر مما تستحق، حتى بدا للبعض ان الامور مقصودة، ولم تعد القضية قضية المطلك، وانما باتت قضية فئة او شريحة سياسية تبحث عمن يحولها الى رقم صعب في المعادلات السياسية بعدما فشلت استراتيجيتها القائمة على العنف والارهاب في جعلها كذلك.وعكست طبيعة الاصطفافات في المواقف والتوجهات حيال تلك القضية بعضا من حدود وخطوط الخارطة السياسية العراقية على اساس ايديولوجي اكثر منه على اساس قومي او طائفي.ولم تخرج تصريحات ظافر العاني من على شاشة قناة السومرية الفضائية، عن اجواء ومناخات استبعاد المطلك وقائمته من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لاسيما وان للعاني جذورا بعثية ايضا، فهو حتى سقوط نظام صدام كان يعمل استاذا جامعيا في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد، ويحمل درجة حزبية وله حضور فاعل في اوساط حزب البعث حتى النهاية، وطبيعة مواقفه وما يتسرب من هناك وهناك يؤشر الى انه مازال مرتبطا بشكل او باخر بتنظيمات الحزب المنحل سواء في داخل العراق، او القيادات العليا المتواجدة في بعض الدول العربية.وبدا ان تصريحات العاني جاءت في سياق ردود الافعال المعارضة لحظر مشاركة المطلك في الانتخابات.ومن ثم جاءت احداث يوم الثلاثاء الماضي، الثاني عشر من شهر كانون الثاني-ينابر الجاري التي تمثلت بأجراءات امنية مشددة واعتقال عدد من الارهابيين ووضع اليد على اوكار ومخابيء للاسلحة والمتفجرات، واكتشاف خطة لتنفيذ سلسلة عمليات ارهابية خطيرة في العاصمة بغداد، رافقتها اشاعات في الشارع العراقي عن وجود محاولة انقلاب عسكري نفذتها احدى فرق الجيش العراقي التي شاركت في استعراض عسكري بمناسبة الذكرى السنوية 89 لتأسيس الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني الجاري، واغتيال صالح المطلك واعتقال ظافر العاني.وبالفعل كان هناك مخططا ارهابيا، تم احباطه بفعل معلومات زود بها مواطن عراقي لم تكشف هويته قيادة عمليات بغداد، والشائعات عن محاولة انقلاب عسكري واغتيال المطلك واعتقال العاني، كانت جزء من الخطة، وهذا ما اشار اليه احد قيادات حزب البعث المنحل. ولم تستبعد بعض الاوساط السياسية ان تكون هناك يد لاطراف خارجية بالتفاعلات الاخيرة في المشهد العراقي، في اطار السعي لتحقيق اكثر من هدف، من بينها خلط الاوراق وارباك الاوضاع لمنع اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في السابع من شهر اذار-مارس المقبل، او السعي الى تغيير موازين القوى لصالح اطراف سياسية معينة.وتحدثت بعض التقارير التي نشرتها مؤخرا وسائل اعلام غربية، من بينها صحف اميركية واسعة الانتشار عن محادثات ومفاوضات بين الاميركان وجماعات بعثية، لادخال البعثيين في العملية السياسية من خلال بعض العناوين والمسميات، مقابل قيام قيادات حزب البعث المنحل بتغيير مواقفها وابداء مرونة اكثر في التعاطي مع الاوضاع السياسية القائمة، واوردت تلك التقارير اسماء عدد من السياسيين الذين شاركوا في المحادثات والمفاوضات اما بصورة مباشرة او غير مباشرة مثل صالح المطلك وطارق الهاشمي وظافر العاني، اضافة الى ذلك فأن بعض التقارير نقلت عن سياسيين تصريحات اكدوا فيها انعقاد اجتماعات بين اطراف سياسية عراقية متعاطفة مع حزب البعث المنحل، واجهزة مخابرات دول اقليمية وذلك للتأثير في الانتخابات البرلمانية المقبلة . ومازاد من وتيرة الحراك والاحتقانات اعلان هيئة المساءلة والعدالة استبعاد اكثر من خمسمائة مرشح من المشاركة في الانتخابات المقبلة لشمولهم بقانون الهيئة، ومعظم المشمولين ينتمون الى قائمة العراقية بزعامة اياد علاوي وصالح المطلك وطارق الهاشمي ورافع العيساوي، وقائمة ائتلاف وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني ومعه رئيس مجلس صحوة العراق الشيخ احمد ابو ريشة، ورئيس ديوان الوقف السني احمد عبد الغفور السامرائي، وكذلك الى قائمة اتئلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي. وتذهب بعض الاوساط الى انه مع اقتراب موعد الانتخابات وقرب انطلاق الحملات الدعائية الانتخابية، ستزداد حدة التجاذبات والاحتقانات، لكن في ذات الوقت فأن معالم وملامح الخريطة السياسية لما بعد الانتخابات تتضح وتتبلور يوما بعد اخر، وان اجواء ومناخات التأزيم التي تحاول افتعالها بعض الاطراف، هي احد عوامل تبلور معالم وملامح الخريطة السياسية القادمة.
https://telegram.me/buratha