احمد عبد الرحمن
في الانظمة والمجتمعات التي تتوفر فيها مساحات واسعة للممارسات الديمقراطية تتنوع البرامج والاطروحات والرؤى والمواقف بشأن القضايا المختلفة، وهذا يجعل النقاش والجدل والسجال احد ابرز مظاهر الحراك السياسي، وتكون المنابر السياسية الرسمية وغير الرسمية، ووسائل الاعلام المختلفة، وغيرها، هي قنوات التعبير عن ذلك الحراك.وطبيعي انه لايتوقع ولاينتظر من النقاش والجدل والسجال ان ينتهي الى تذويب الاراء ووجهات النظر والمواقف المختلفة وصهرها في رأي وتوجه واحد، لان ذلك غير ممكن ولامنطقي، اذ ان ميزة النظام الديمقراطي الحقيقي هو هذا التنوع والحراك.ولكن لابد من ان تكون هناك ضوابط ومحددات ومعايير، يتم الاحتكام اليها والتقيد بها، حتى لايقود الاختلاف الى فوضى وتصادم وخلط للاوراق.والدستور في كل الانظمة الديمقراطية هو المرجع والفيصل للشركاء والفرقاء السياسيين، والالتزام والتقيد به يضمن سلامة اتجاهات الحراك والتنافس السياسي، ويقطع الطريق على كل التوجهات والنزعات الخاطئة والمنحرفة، والطموحات غير المشروعة.والشيء الاخر هو المصالح الوطنية العليا للبلاد، التي ينبغي الا تخضع للمساومات والصفقات السياسية والابتزاز، السعي الى الحصول على مكاسب فئوية وحزبية ضيقة وخاصة.ولعل بعض من الجدل الذي اثير حول مشروع الموازنة المالية الاتحادية لعام 2010، وماتضمنته من مسائل اصر عليها الائتلاف الوطني العراقي، عكس حالة سلبية في سياقات واليات عمل النظام المؤسساتي الديمقراطي، تمثلت بقراءة المنجز المتحقق قراءة غير موضوعية وانفعالية الى حد ما، لانطلاقها من زاوية المصالح والحسابات الخاصة، بعيدا عن فضاء المصالح الوطنية.فالقراءة الموضوعية والمحايدة والهادئة للموازنة المالية تفرض القول والتأكيد على حقيقة أنها راعت الى حد كبير متطلبات واحتياجات الناس، بل انها تمحورت حولها، وهذه نقطة مهمة للغاية، وحتى من يريد ان ينتقد جانبا معينا فيها، فينبغي عليه لاجل ان يكون موضوعيا ومنصفا ان يتوقف عند الجوانب الايجابية وهي كثيرة، في مقابل الجوانب السلبية.لم تتضمن الموازنات المالية للاعوام الماضية، بل ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل تسعة عقود من الزمن ما تضمنته الموازنة المالية لهذا العام من جوانب ونقاط ايجابية، تضمن توزيعا عادلا الى حد كبير لثروات البلد وموارده، وتضع حد لجزء كبير من ظواهر الحرمان والتهميش لفئات وشرائح اجتماعية عديدة لم تنعم بما تزخر به بلادنا من نعم وموارد وثروات يندر توافرها في بلد اخر.
https://telegram.me/buratha