منى البغدادي
يبدو ان تجربة العراق الجديدة الحاصلة بعد التاسع من نيسان 2003 اتسعت افاقها ومجالاتها بشفافية ووضوح كشفت عن كل الثنائيات والمفارقات التي تاكدت بشكل سافر الامر الذي يتيح لنا ويمنحنا الرؤية المتبصرة لايجاد مقارنة قهرية وقسرية بين العهدين بين النظام السابق والتجربة الجديدة في العراق.قد يصاب الانسان احياناً بالحنين الى الماضي بكل ظلمه وظلامه ويتوق الى ايام صباه دون الشعور بطبيعة النظام الحاكم وبشاعته او ان الحنين الى الماضي لا يعني بالضرورة الحنين الى النظام القائم في المرحلة الماضية التي نشتاق اليها.ولكني لا نظلم المشتاقين الى الوضع السابق ولا نعمم اللوم والتأنيب لمن يحنون الى الوضع القديم لكنها سمة انسانية لا تتحدد بدولة معينة او زمن محدد فالحنين الى الماضي صار يشكل طبيعة الوعي وللاشعور لدى البشرية قاطبة رغم ان المرحلة الماضية بشكل اجمالي كانت مقفرة وجرداء من كل التطورات ووسائل الراحة التي نعيشها في حاضرنا المعاصر.ويبدو ان من كان يعيش في القرية بكل صعوبة الحياة وجشوبة العيش وقسوة الظروف وغياب ابسط وسائل الراحة والمعلومات والتطور فانه يعيش الحنين الحقيقي رغم ما توفر له من امكانات هائلة ابتداءاً من تطور المدينة الى خدمات الانترنيت والفضائيات والصحة والنقل وهو لم يتوفر ولو بدرجة ضئيلة في تلك الحقبة التي يحنون اليها.ويمكن تبرير هذا الحنين الطبيعي الذي لا يقدح بنوايا ذوي الحنين بان طبيعة الماضي تنساب الى الذاكرة بشكل شفاف غير مثقلة بهموم الواقع وقسوته فتتدفق الذكريات الى الذاكرة بصورته الشفافة الهادئة الاثيرية المفعمة بالصفاء والنقاء دون فوضى الواقع واضطراباته كمن يحن الى سنوات السجن او ايام الجهاد والمواجهة بينما هي اقسى مراحل الانسان وخاصة العراقي هي تلك المرحلة من المواجهة والمطاردة والسجون والجهاد فلا يطيقها الا القليلون ولا يتحملها او يحتملها الا الصابرون.وهذا الحنين الى ذكريات الجهاد والسجون لا يعني بالضرورة ان تلك الايام كانت مثالية من زوايا الراحة والدعة والسعادة الدنيوية ولكننا يحدونا الحنين اليها لصورتها وليست لحقيقتها كما يقول المناطقة فان الذي يتصور الشمس وحرارتها فلا يتصور الى صورتها وليست حقيقتها.ومن هنا فان الحنين الى الماضي الصعب وتعقيداتها ليس الا كما اسلفنا من توضيح ولذلك من من يقارن بين العهد السابق والجديد تصعب عليه المقارنة بسبب الفارق الكبير بين العهدين معنوياً ومادياً وانسانياً وسياسياً.والفرق بين العهدين يتضح بدون ادنى عناية فائقة او جهود اضافية او اعمال مجهد للذاكرة فقد انشكف الضياء لكل ذي بصيرة وعينين حتى اولئك الذين كانوا جزءاً من النظام السابق فقد وفر لهم العراق الجديد فرصاً يحلمون بها او لم تخطر على بال احد من العراقيين حتى وهم في قبضة العدالة العراقية الجديدة فأخذوا يعبرون عن ارائهم وافكارهم ويدافعون عن انفسهم ويبررون مواقفهم امام العالم بحرية عالية لم تتوفر لهم اثناء حكمهم السابق.كان رجال من رجالات النظام السابق يخشون من الحيطان بتصورهم ان لها اذان ولا يتحدثون مع رفاهم ولو هسماً بسبب سياسة القمع والرقيب الذي يحصي الانفاس ويراقب الناس تحولوا فيما بعد الى السن واصوات هي انكر الاصوات يطعنون بالتجربة العراقية الجديدة ويشوهون تأريخ وسمعة المعارضين الشرفاء للنظام السابق ويحاولون التمجيد بالطاغية صدام وحزبه الاجرامي.من مفارقات العراق الجديد ان النظام السابق كان قد منع كل كتاب او منشور حتى لولم يكن سياسياً يعادي الحزب والثورة وكانت كتب الشهيد الصدر مثل فلسفتنا واقتصادنا ممنوعة ويحاكم من يتداولها بالاعدام رغم انها فكرية تواجه وتحارب الفكر الماركسي بينما لم نشاهد هذه الايام او نر اي منعاً للكتاب او المنشور السري بل قد انتهت ظاهرة المنشورات السرية الا الابد في العراق الجديد.
https://telegram.me/buratha