حافظ آل بشارة
عملية فرز الخنادق بين القوى السياسية بلغت مرحلة متقدمة وهي ظاهرة اعتيادية جدا ، اجتمع ضحايا النظام السابق ومقاوموه القدامى والمتعاطفون معهم في خندق مقابل خندق آخر يضم بقايا ذلك النظام ورموزه والمستفيدين منه والمضللين ، ستظهر اهمية التخندق المتقابل في الانتخابات وتشكيل الحكومة ، سيهطل مطر الاعلام بكثافة قبل وبعد الانتخابات ، سيكون العراق اكثر تحضرا عندما يستبدل ماكنة القمع القديمة بالكلمة والصوت والصورة والقلم لاجل حسم الصراع بين المتنافسين ، عندما تتحول المظلومية الى عنوان للوحدة سينجح دعاتها في تشكيل خندق تهفو اليه قلوب الناس ، لا يوجد عنصر توحيد اقوى من المظلومية المشتركة والتاريخ الحافل بالتضخيات ، مصداقية الجميع تتوقف على مدى انسجامهم مع شروط العمل المدني المسالم ، يجب تصفية الأجواء من القتلة والمطلوبين والابتعاد عن لغة المفخخات والتهديد والوعيد والغدر واختلاق الاكاذيب ، ستكون المنافسة شريفة والسباق قائما على خدمة الشعب ، والشعب لايظلم احدا لكن للتاريخ سننه والاحزاب اشكال وانواع ،
هناك قوى منسجمة مع العصر وقادرة على كسب ثقة المواطن وقوى تجاوزها العصر واصبحت تعيش خريفها الاخير ، صناديق الاقتراع وسيلة ناعمة لابادة القوى والمشاريع الضارة او المتخلفة لذا فاصحابها يتوقعون الهزيمة في التنافس السلمي لذا يلجأون الى تخريب اللعبة برمتها وتحويلها الى مجزرة باللجوء الى القتل الجماعي والتدمير والكذب ، ستمارس الصناديق عملية اجتثاث نظيفة وهادئة وتأريخية بشرط ان يرضى بها الجميع حكما . اما القوى التي تدرك لغة العصر فان وحدة خندقها لاتكفي لتشكيل ظاهرة سياسية متماسكة تحظى بثقة الناس ، المطلوب آليات متقدمة لدمج مكونات المجموعة وتوحيد الرؤية ، و ترك اي ممارسة تؤدي الى زعزعة الوحدة والانسجام الداخلي خاصة تلك التي يتلقفها العدو لتتحول الى دعاية تمزيق مجانية ، يفترض ان تكون التصريحات مدروسة ومستندة الى رأي الاستشاريين المختصين ، احيانا يعين المتحالفون عدوهم على انفسهم فيكونون عرضة للانهيار بدون الحاجة الى مؤامرة خارجية او حرب نفسية بسبب انفجار تناقضاتهم الداخلية وعدم ضبطها وتحجيمها ، الشائع في التحالفات بذل جهد مشترك لاستثمار واذابة ميزات كل تشكيل متحالف في الاطار العام ، فيجري تقسيم الادوار بين الصقور والحمائم وبين المعتدلين والمتطرفين ولكل دوره ولكل ساعة صفره التي يطلق فيها وابل رصاصه او وابل اغصان زيتونه ، الامم الحية لديها نخب قادرة على نسيان خلافاتها وتذكر القواسم المشتركة ،
اما الامم المريضة فان ذاكرة نخبها مبرمجة على استحضار ونبش الخلافات وتمجيدها وتقزيم نقاط الاتفاق وتجاهلها ، نصف النجاح تشكيل تحالف متنوع يضم كل المكونات والنصف الاخر الحفاظ عليه الى النهاية باداء جيد ، التحالف السياسي الموفق مع انه كيان مؤقت الا انه يجب ان ينجح في العمل كمؤسسة لكي يسهل اعماله ويثري تجربته الحزبية ثم تجربته الحكومية فالحكومة رغم شكلها المهيب هي ثمرة جهد وثقافة وعقيدة الاحزاب والحركات المشاركة وهي مدرسة السياسة . العراق سلك طريق التعددية واستخدم آليات العمل الجماعي ولن يكون للعمل الفردي على مستوى الزعامات الحكومية او الحزبية أي مستقبل في العراق ، العالم ينتقل من تثبيت القيم الاديولوجية الى تثبيت قيم محاربة الفقر والظلم وتحقيق الرفاه الاقتصادي والبناء ، سيتحول الاقتصاد الى قوة عملاقة ، سيصفق الناس للمؤسسة والهيئة الجماعية والشركات العملاقة . لا يوجد شعب في الارض يقبل ان يهتف ويرفع لافتات التأييد نصف قرن ثم ينتهي الى غابة من العبودية والفقر ، على كل سياسي من العاملين للعاجلة أو العاملين للآجلة ان يتذكروا هذه السنن التاريخية التي لاترحم خاصة وان ضحاياها احزاب وحركات وجمعيات ، يطويها النسيان ويتجاوزها الزمن وللتاريخ السياسي البشري مقابره الجماعية .
https://telegram.me/buratha