شاكر حسن
يشبه المفكر والفيلسوف الاجتماعي الاسلامي الجزائري مالك بن نبي ( 1905 - 1973 ) الاستبداد الداخلي بمرض السرطان ، فهو مرض دائم وقاتل وميؤوس من شفائه . كان ذلك الكلام خلال الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت طرق علاج هذا المرض الخبيث في بدايتها والغالبية العظمى ان لم نقل جميع مرضى هذا المرض لا علاج لهم ويموتون بعد فترة قصيرة .
اما الاستعمار الخارجي فهو مثل الحمى، قوي ومؤلم الا انه مؤقت وممكن علاجه ويزول بعد فترة .
وهذا هو الحال في العالم العربي. حكام دائمون لا علاج لهم لا فرق في ذلك سواء اكان الحاكم ملكا ام رئيس جمهورية، فهو يحكم مدى الحياة وان جاءه عزرائيل بعد عمر طويل وتوفى ورثه ابنه ويصبح خير خلف لخير سلف، وبالروح بالدم نفديك يابطيخ .!
الحكام في العالم العربي جميعا وبلا استثناء استولوا على الحكم بالقوة. اما عن طريق انقلاب عسكري او بالوراثة او عن طريق انتخابات صورية وبنسبة 99،99% . ولكي يضمن الحاكم بقائه في السلطة مدى الحياة فأنه يحيط نفسه بكم هاثل من الحراس الشخصيين والبوليس السري بحيث يكون من المستحيل إزاحته عن السلطة مهما كانت الظروف، ويقلب القاعدة القانونية المعروفة، (برئ مئة متهم ولا تتهم واحد بريئ) الى (اتهم مائة بريئ ولا تبرئ واحد متهم )، ويكون اغلب هؤلاء الحراس والحماية والاجهزة السرية من نفس عشيرة ومنطقة وحزب وطائفة الحاكم . ونتيجة لذلك يحدث امرين في غاية الخطورة :
الاول ، انفاق مبالغ هائلة من ميزانية الدولة لحماية الحاكم غير الشرعي على حساب بقية الخدمات الأساسية الضرورية للشعب من صحة وتعليم ونشر الثقافة وتوفير السكن وبناء البنية التحتية. فحسب احصائيات الامم المتحدة تنفق الدول المتخلفه بين 40% الى 80% من ميزانية الدولة على قطاع الدفاع والامن الداخلي، بينما تنفق الدول المتقدمة بين 5% الى 10% على هذا القطاع.
الثاني ، إحداث شرخ كبير بين افراد المجتمع الواحد نتيجة لهذا التمييز الذي يقوم به الحاكم غير الشرعي لضمان بقائه في السلطة. فباعتماده على العشيرة والمنطقة والطائفة يؤدي الى حدوث خلل في المجتمع مما يؤدي الى حدوث الطائفية والعنصرية والمناطقية كما حدث في العراق خلال حكم صدام حسين.
حدثني احد الاصدقاء الذي كان اخوه ضابط في القصر الجمهوري ايام المرحوم عبدالرحمن عارف وبداية قدوم حزب البعث التكريتي عام 1968 انه بعد استيلاء احمد حسن البكر وصدام على الحكم والقصر الجمهوري، تم استقدام مئات الاشخاص بين فترة واخرى على شكل وجبات من قرية العوجة ومدينة تكريت من رعاة وفلاحين وشبه اميين وادخالهم في دورات مكثفة في مكافحة الأمية ودورات تدريب عسكرية ليتم بعد ذلك اعطائهم رتب عسكرية مختلفة لحماية القصر الجمهوري والنظام الحاكم وتسريح الضباط الاخرين .
لذلك اكرر ما قلت في مقالي السابق (لا تتحرر الشعوب العربية الا بالتدخل الخارجي) ، لا يمكن ان تتحرر الشعوب العربية ولو طلعت مائة او ربما ألف نخلة في رأس الشعوب العربية حتى ولو بعد الف عام . لقد انتهى عصر الثورات وجاء عصر المخابرات .
https://telegram.me/buratha