احمد عبد الرحمن
يؤشر الحراك الكبير الذي يشهده الشارع العراقي هذه الايام، والمتمثل بمسيرات وتظاهرات واسعة، بعضها احتجاجية وبعضها الاخر داعمة وساندة لمواقف وتوجهات سياسية معينة، يؤشر الى مسألة مهمة للغاية ، الا وهي طبيعة واهمية الحضور الجماهيري الايجابي في مختلف المناسبات، وحيال كل القضايا التي تعني مكونات المجتمع العراقي، سواء كانت ذات طبيعة سياسية، او امنية، او اقتصادية، او حياتية.ولاشك ان صورة اليوم تكاد تختلف بالكامل عن صورة الامس، كنا في العهد البائد نشهد الكثير من التظاهرات والمسيرات الجماهيرية تجوب الشوارع والمدن العراقية، لكن كانت تلك التظاهرات والمسيرات جزءا من النهج الاستبدادي والديكتاتوري لنظام البعث الصدامي البائد، وكانت تعكس قدرا كبير من التعتيم السياسي والاعلامي على الجماهير، والتضليل والخداع وقلب وتزييف الحقائق وتسطيح الوعي، واليوم نشهد مظاهر قد تبدو للمتلقي عن بعد انها تكرار لصورة الماضي من حيث ظاهرها، بيد انها من حيث الجوهر والمضمون ليس كذلك بتاتا.ليس بالضرورة ان تأتي التظاهرات والمسيرات الجماهيرية اليوم بأيقاع يتناغم وينسجم مع توجهات وسياسات السلطة السياسية، وليس بالضرورة ان تتحرك وفق خطوط مرسومة سلفا، فهذا لم يعد ممكنا ولامقبولا في ظل مساحة واسعة وافق رحب للممارسة الديمقراطية.فالتظاهرات والمسيرات المؤيدة والداعمة للمرجعية الدينية والمدافعة عنها، وتلك المنددة بتوجهات البعض لاعادة البعث الصدامي الى الحياة السياسية، وتلك المباركة للخطوات التي من شأنها تخفيف معاناة فئات وشرائح اجتماعية عديدة من ابناء الشعب العراقي، وغيرها، تعبر في واقع الامر عن حقيقة ان سياسات البلاد لم تعد ترسم وتصاغ في داخل كواليس واروقة خاصة، وانما اصبح للشارع العراقي دور في رسم وصياغة تلك السياسات، وبات من غير الممكن تمرير هذه القضية او تلك تحت جنح الظلام، ولم تعد الشعارات البراقة والعريضة كافية لوحدها لتحديد وتوجيه قناعات وتوجهات الناس وفق رغبات واجندات اصحابها، ما لم تكن منسجمة ومتناغمة مع مصالح الناس انفسهم.ان وعي الجماهير وادراكها لحقائق الواقع، وحضورها الفاعل، يمثل احد اهم عناصر وعوامل نجاح المشروع الوطني العراقي، واحد ابرز ادوات سحب البساط من تحت اقدام اعداء العراق والمتامرين عليه، والعامل الحاسم في الحؤول دون عودة الديكتاتورية والاستبداد، وهذا الحضور الفاعل والايجابي هو علامة النجاح الكبرى للتجربة الديمقراطية في العراق.
https://telegram.me/buratha