حسن الهاشمي
ديمومة وديناميكية الحياة إنما تتجسد في التعاطي الإيجابي إزاء المكون الفعلي لها ضمن مساحاته المتاحة، بحيث لا تجلب الحيف على الآخر النوعي أو الكمي أو حتى الحياتي في الوجود، ولعل من أبرز ما أكده الدستور العراقي الجديد إزاء حقوق الإنسان ولربما إن معظم بنوده الإنسانية جاءت مطابقة للدساتير في الأنظمة الديمقراطية باستثناء تلك القوانين التي قد تتعارض مع ثوابت الأكثرية المسلمة، إذ قرر للإنسان حقوقا اجتماعية تكفلها الدولة تتعلق بشخصه وبعيشه في المجتمع، كتأمين الحياة والعيش الحر الكريم له ولأسرته ولباقي أفراد مجتمعه، وسائر الحقوق السياسية والاقتصادية، كما أكدت من جانب آخر على صيانة وحماية شخص الإنسان بتحريم التجسس والاعتداء عليه وظلمه وإيذائه أو مصادرة أمواله وهتك عرضه، إضافة إلى التشريعات الأخلاقية التي تضمن حفظ هذه الحقوق، كمنع التشهير والتسقيط وحفظ الكرامة والسمعة الحسنة بين أوساط المجتمع.لقد أوجب ذلك بجعل الدولة والحاكم مسؤولا تجاه الشعب، كما أوجب على الدولة رعاية شؤون كافة من يحمل تابعية الدولة، وحمايتهم وحفظ حقوقهم، والعدل بينهم من مسلمين وذميين، بلا تفريق بين شخص وآخر، ومنعت الحيف على المواطنين بسبب الدين أو الطائفة أو الجنس أو اللون أو غير ذلك، وإنما الكل أمام الدستور سواء، ويقضي ذلك مسؤولية الدولة عن رعاية كافة شؤون الشعب، وإيصال الحقوق لأهلها، كما يقضي من منع التظالم بين المواطنين ومنع التفريق الجائر بين أفراد الأمة الواحدة كما يحصل في ظل الأنظمة الديكتاتورية من ظلم وتقتيل وتشريد وتبديد للثروات.ولنلق نظرة تأريخية فاحصة على ضمان حقوق الإنسان في المجتمع التحرري ومقايسته بالمجتمع المكبل، لنرى الفرق الشاسع بين المجتمعين سواء كان يرفل في زمن السلم أو الحرب، حيث الحفاظ على الكرامة والحرية والأخلاق في الأول وسحق القيم الإنسانية النبيلة في الثاني، فالأول يسعى إلى تأمين حقوق الإنسان الشخصية وحرمة ذاته ومنع الاعتداء والتجسس عليه، يقول الرسول الأكرم: ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، حيث حرم الشرع الاعتداء على النفس البشرية بالقتل أو الجناية، وشرع لذلك أحكام القصاص والديات لردع المعتدي، وكان رسول الله إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه، ثم يقول سيروا باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ولا تفلـّوا ولا تمثـّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها، وطالما تجد هذه الأحكام الراقية بين ثناياه لأنه يريد الحكم وسيلة لغاية أسمى وهي كمال وسعادة الإنسان، وهذه هي أعلى القنن في حفظ الحقوق في المجتمعات البشرية. أما الثاني لا يقف أمام أهوائه وتعطشه للتحكم بالعباد والبلاد أي رادع أخلاقي أو قيمي أو إنساني فهذا أبو مسلم الخراساني الذي مهد الدولة للعباسيين وكان من عملائهم قتل حسب رواية الطبري ستمائة ألف بين رجل وامرأة وغلام، وقد كانت وصيته إلى عماله: أن اجعلوا أسواطكم السيف، وسجنكم القبر، كما أن سمرة بن جندب وكيل زياد بن أبيه في البصرة أعدم ثمانية آلاف من أهلها تطبيقا لمبدأ القتل على التهمة، هذا غيظ من فيض ظلم الطغاة الذين لا يراعون إلا ولا ذمة في حفظ حقوق وحرمة الإنسان، بل يريدون وعلى الدوام اتخاذ مال الله بينهم دولا وعباد الله خولا.هذان النمطان يظلان في تصارع أو ربما تشهد في بعض فصولهما حركة ديالكتيكية مادامت الحياة قائمة، إرادة الشعوب في التحرر وإرادة الطغاة في التسلط، وهما ليسا بمعزل عما يجري في العراق حاليا من انتهاك صارخ لحقوق إنسان طالما حلم بعيش حر كريم، وهنا نتساءل عن دور منظمات حقوق الإنسان في العالم حيال ما يجري حيث أن المنظمات الإرهابية المدعومة من الأنظمة الديكتاتورية تشن العمليات الإرهابية في الأسواق والتجمعات البشرية وأماكن العبادة بمرأى من العالم، لا اعرف ماذا تفعل هذه المؤسسات الإنسانية حيال كل ما يجري؟! أين هذه المنظمات التي تتشدق بالإنسانية وترى هذه الطريقة من القتل الجماعي وهو أشبه بعمليات إبادة تدريجية اللهم إلا إذا كانت بعضها مسيسة مثلما هي بعض الكيانات السياسية في العراق فإنهم وقتئذ يكيلون بمكيالين وتنقلب عندهم موازين حقوق الإنسان في العراق خاصة، فهي ولدوافع سياسية وأجندة خارجية تنحصر بالقاتل دون الضحية وهذه هي الطامة الكبرى!!. وعودا على ذي بدء فإن هناك مبادئ وقوانين مكتوبة في الدستور لكنها لم تتحول إلى سلوك ولم تمس حياة الناس في وقتنا الحالي على أقل التقادير، فأي حق لحقوق الإنسان يراعى في ظل انتهاكات وإساءات يتعرض لها المواطن العراقي في الشوارع وغيرها، في حين أن الدستور ضمن للإنسان العديد من الحقوق منها حق الحياة وحق المشاركة وحق التعبير وحرية الرأي والمعتقد، ويجب على المسؤول في الدولة العراقية أن يفتح قلبه وصدره للحوار، ويعطي الآخر الحق في أن يكون مصيبا ولا يحتكر ذلك، لأن التعنت بالرأي وعدم الإصغاء للآخر، يجري في النقيض مع حقوق الإنسان، ولابد أن نعرف أن احترام حقوق الإنسان يحتاج إلى رؤية وضوابط وسلوك جديد، كما أن الحديث عن حقوق الإنسان يجب أن يتناول جميع الشرائح في حقها بالحرية والملكية والتعليم والصحة، للنساء والشباب والأطفال والعمال والفلاحين، ودولتنا مازالت في بداية الطريق وليست هي الدولة العصرية التي نتطلع إليها.ربما ينعم المواطن بمعطيات النظام الديمقراطي اسما لا واقعا لظروف شتى، هنا ينبغي له أن يتحرك سلميا من أجل الحق والاعتزاز بالحرية والكرامة، ويزرع في حنايا الآخرين وعروقهم حس الإنسانية والمواطنة الصالحة التي يجب أن تبنى وتتحرر من كل استعباد سواء أكان لحزب أو لشخص، ليبقى الإنسان دائما أبي النفس عزيزا كريما، وإن أمة يبلغ بها الوعي واليقظة والتمسك بالحقوق إلى هذا المدى الواسع ينبغي أن لا ترضى بأن يظلمها حاكم مستبد ولو تغلف بالنظام الديمقراطي، أو يصادر حقوقها وحرياتها متربص جائر أو غاز جبار مهما بلغ من القوة والبطش، لاسيما نحن نعيش التجربة الديمقراطية الرائدة وهواجس دول العالم والجوار منها وسعي البعض لإفراغها من محتواها.وفي مثل هذه الحالة وفي زمن العهر السياسي الذي نعيش بعض تداعياته خصوصا في الشد الإقليمي المتشنج حيال ما طرأ على العراق بعد التغيير، على الدولة الديمقراطية أن توثق علاقتها بشعبها وتعالج الأمر علاوة على ما ذكر في التأهب للإنقضاض على الإرهاب وبشتى الوسائل، حيث أن الديمقراطية عندما تلجأ لظروف طارئة إلى طرق غير مألوفة للحفاظ على معطياتها أهون من التجاء الديكتاتورية إليها من باب انتخاب الأقل خطورة لدرء الخطر الفادح، فالإرهابيون لا منطق ولا عقل ولا دين لديهم فينبغي استئصالهم لحفظ حقوق الإنسان وحفظ هيبة البلد وكرامة المواطن، ومن أبسط حقوق الإنسان العيش بأمن وأمان في نظام يحفظ كرامته دونما نقص ريثما يقطف بقية الثمار المترتبة عليها، ولا يحصل هذا إلا بالنظام الديمقراطي الفاعل لا المشلول!! وإحدى مصاديقه الأغلبية السياسية لا التوافقية، فتأمل...
https://telegram.me/buratha