بهجت الخزاعي
لم يخلُ تأريخ البشرية يوما من الصراعات التي أدّت الى إراقة دم العنصر البشري، وإنه برغم وجود بعض الأسباب العبثية الهامشية التي أدت وتؤدي الى سفك تلك الدماء ، إلاّ إنّ السبب الرئيس هو الحاجة الى إزالة الخصم عن الطريق التي يسلكها القاتل للوصول الى غاية ما ، وإنّ هذه الغاية لا تعدو أحد أمرين فإمّا ان تكون غاية حق أو ان تكون باطلة، وأوضحُ مثال يمكن ان تتجلى فيه المعادلة هو صراع الأنبياء صلوات الله عليهم ومن سار على نهجهم مع من ناوئهم من المستكبرين والمفسدين حيث يمثل الطرف الأول الدرجة العليا من النقاء والطهر ولا عجب فهم الذين إختارهم الله تعالى للنهوض بمشروعه المقدس الذي يتحقق من خلاله العدل والرفاه لجميع البشر، وهذا ليس مجرد إدعاء لتمجيدهم صلوات الله عليهم بل هو واقع يلمسه كل من إطلع على سيرتهم ويعترف به كل منصف, فلم نسمع يوما انّ نبياً سرق او كذب أو افترى على أحد أو انّه كان جباناً أو خائناً أو بخيلاً حاشاهم جميعاً. أمّا الطرف الاخر فهو النقيض الذي كان يمثل الإنحراف الفكري والسلوكي فعلى مستوى الفكر كانوا يسفهون عقول الناس بأن يأمروهم بعبادة الأحجار أو الكواكب أو ما شاكل، وعلى مستوى السلوك فحدث ولا حرج فعلى سبيل المثال لا الحصر كان الرومان يرمون الإنسان في حضيرة للاسود فيتلذذون بتمزيقها له والعرب في جاهليتهم كانوا يهتكون حرمة الجار وينتهبون المرأة من زوجها ويئدون البنات ويزنون والى غير ذلك من الرذائل والموبقات. لا ريب انّ هذه السلوكيات الاجرامية تأتي نتيجة تلك الإعتقادات الفاسدة التي تخلو من الرادع الذي يوقف النزعة الإجرامية ويكبح جماح تلك الغرائز التي تنحط بالإنسان الى أسافل الدرجات إذ انّ الاعتقاد بالشمس والقمر أو الظواهر الطبيعية لا يعدو كونه إذعان لشيء كبير وقاهر ولكن هل هذا الشيء حكيم؟ هل هو مدبر؟ هل هو عادل؟ وأهم شيء هل هو قادر على ان يبعثني بعد الموت فيثيبني ان كنت محسناً ويعاقبني ان كنت مسيئاً ؟ فالمشركون لم يكونوا ينكرون وجود الله بدليل قول تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ. العنكبوت 61 ، لكنهم ينكرون المعاد بدليل قوله تعالى : وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ. الرعد 5 .بعد هذا الإيضاح الموجز أقول : ان كانت الضحايا التي تسقط جراء هذا الصراع من الطرف الأول يكون المقتول شهيدا ويكون القاتل ظالما مجرما وإن كان المقتول من الطرف الثاني يكون القاتل مثابا والمقتول مذنبا كذلك، وهذا أمر منطقي بديهي لا يخالف فيه من له مسكة عقل. أمّا ان يأتي شخص ما فيقول ان القاتل والمقتول مثابان وكلاهما منعّمان في الجنّة بدعوى انّهما من الصحابة أو التابعين وأنّ لهما جبالاً من الحسنات تغطي سيئاتهم فهذا هو العجب العجاب الذي لا ينسجم مع ادنى مفاهيم العدالة الانسانية فضلا عن العدالة الالهية.ان هذا الفكر المعوج الذي يعتمد على خلط المفاهيم إبتدعته الشجرة الملعونة شجرة بني اميّة وأتباعها لتُخرج بعض الأشخاص من المآزق الضيقة التي وقعوا فيها حرصاً على تزكيتهم وتمجيدهم لمصالح سياسية وإقتصادية بعيدة عن الأهداف السامية التي يقصدها الأنبياء وأتباعهم بل بعيدة حتى عن المباديء التي يتمتع بها بعض الأحرار الذين يمتلكون الفطرة الإنسانية السليمة. فمن هذه الأحداث مثلاً قتل مروان بن الحكم الأموي الذي كان رسول الله قد نفاه هو واباه قتله لطلحة بن عبيد الله، ومن الجدير بالذكر انّ طلحة هو أحد العشرة المبشرة بالجنة حسب إعتقاد القوم ولكن نجد ان عثمان الخميس وهو أحد دعاة السلفية المعاصرين يعد مروان أحد الخلفاء الاثني عشر الذين يقوم بهم الدين، وهنا اريد ان أسأل عثمان الخميس كيف تجيب الآية الكريمة: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. النساء 93 ، ومن المفارقات ايضا قتال معاوية للصحابي العظيم( حسب مباني القوم) مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه في حرب صفين الشهيرة التي سقط فيها قرابة تسعة وثلاثين الفاً من المسلمين وايضا نجد السلفية ابتداءً من ابن تيمية والى يومنا هذا يصرون على انّ معاوية بن ابي سفيان مجتهد مثاب ، وأمّا الطامة الكبرى فهي اعتبارهم ليزيد بن معاوية خليفة شرعيا أقام امر الدين وأنّ خروج الحسين صلوات الله عليه كان خروج مفسدة وهذا ما صرح به عبد العزيز ال الشيخ مفتي مملكة ال سعود في إحدى المقابلات التلفزيونية ويمكن مراجعة هذا الرابط للتأكد: http://www.youtube.com/watch?v=v0Yoeg7k1s4 ،وهنا نسائل ال الشيخ كيف يجوز على الله ان يضع الحسين بمرتبة سيد شباب اهل الجنة كما ورد في كتبكم في حين انه خرج على امام زمانه باغيا وقُتل وهو على تلك الحال، اولم يكن يتوجب عليه إطاعة يزيد بن معاوية؟ ثم اية شرعية هذه التي تتحدث عنها وقد امتنعت المدينة المنورة عن بيعته وقامت بوجهه فأستباحها ثلاثة أيام في واقعة الحرة الأليمة، وأي مسلم هذا الذي يستشهد بقول عبد الله بن الزبعرا :لعبت هاشم بالملك فلا ... خبر جاء ولا وحيٌّ نزل . اليس هذا كفر صريح؟ ، وأي امام رحيم برعيته هذا الذي منع الماء عن نساء وأطفال الحسين حتى أوشكو على الهلاك عطشاً ؟ اي امام غيور هذا الذي هتك ستور بنات نبيه فراح ينقلهن من بلد الى بلد ؟ وإلى اليوم تقف قبورهنّ خير شاهد على تلك المسيرة الفضيعة وإلاّ فما معنى وجود مرقدين لطفلتين من أطفال الحسين ع تتراوح أعمارهما بين اربع وثمان سنين في دمشق و بعلبك في حين ان موطنهما في المدينة !!، وأي امام عادل هذا الذي لم يعاقب حرملة بن كاهل الذي ذبح عبد الله الرضيع الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر؟!.أهذا هو الإعتقاد الذي تلاقون به الله تعالى يوم القيامة وترجون به جزيل ثوابه هل حقاً عرف الإيمان طريقه الى قلوبكم ؟ كلاّ انّه الحقد الذي حمله أجدادكم على رسول الله وآله وصحبه الكرام لازال يغلي في صدوركم على شيعة أهل البيت وعلمائهم الذين هم البقية الباقية من خط خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله فصيرتم ذلك الحقد الى تلك القنابل المدمرة التي ملأتم بها مدنهم فتناثرت أجسادهم لتملأ الشوارع والأزقة وتكون شاهد عدل على جرائمكم التي جاوزتم بها وحشية الوحوش ويحكي صمتها مسيرة الخلود التي يُوقد سراجها بدماء الشهداء ، شهداء الفضيلة والإباء. والحمد لله رب العالمين.
https://telegram.me/buratha