بقلم : ماجد السراي
بعد ما أكملت السيدة زينب بنت علي عليهما السلام كلامها الموجه الى الطاغية يزيد وفضحها وكشفها لجريمة قتله لأخيها الحسين وأهل بيته وصحبه الكرام وما أثارتهُ هذه الخطبة من أسى وشجون في قلوب الحاضرين لمقتل آل بيت نبيهم محمد (ص) , شعرَ الطاغية يزيد حينها بالحرج الشديد أمام الحاضرين , و أراد أن يعيد لنفسه قدرا من الهيبة والأعتبار , فأمر بمنبر , وأوعزَ إلى أحد جلاوزته من وعاظ السلاطين بالصعود على أعواد المنبر ليكيل المديح والأشادة والتمجيد ببني أمية ومعاوية ويزيد , والنيل والسباب والشتم للأمام علي وفاطمة بنت الرسول وجميع أل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .فقالى له الأمام علي السجاد(ع) : ( ويلك أيها المتكلم , أتشتري مرضات المخلوق بسخط الخالق فتبوء مقعدك من النار ثم ألتفت الى يزيد فقال له أتسمح لي أن أصعد هذا المنبر وأتكلم بكلمات فيها لله رضى ولهؤلاء الجلوس أجرا وثواب , فلم يأذن له يزيد فقال له من في المجلس , ائذن له يا أمير المؤمنين لنسمع ما يقول , فرد عليهم الطاغية يزيد بقوله : ( إذا صعد المنبر لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان , فقيل له : ما قدر ما يحسن هذا الغلام , فقال كما ينقل ذلك الرواة : أنه من أهل بيت زقوا العلم زقا ! فلم يزالوا الناس عل إلحاحهم , حتى أذن له فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه وقال :
( أيها الناس لقد أُعطينا ستا وفضلنا بسبع . أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة وفضلنا بأن النبي المختار (ص) منا , والصديق منا , والطيار منا , وأسد الله وأسد رسوله منا والسيدة الزهراء منا وسبطا هذه الأمة منا ثم تابع قائلا : ( أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي . أنا أبن مكة ومنى , أنا أبن زمزم والصفا , أنا أبن من حمل الركن بأطراف الردى , أنا أبن خير من ائتزر وارتدى أنا أبن من طاف وسعى , أنا أبن خير من حج البيت الحرام ولبى , أنا أبن من حمل على البراق في الهوا , أنا أبن من أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى , أنا أبن من سعى به جبريل إلى سدرة المنتهى أنا أبن من تدلى فكان قاب قوسين أو أدنى , أنا أبن من صلى بملائكة السما , أنا أبن من أوحى الجليل ما أوحى , أنا أبن محمد المصطفى وعلي المرتضى , أنا أبن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله , أنا أبن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين ... ولم يزل يقول ويعدد أنا أنا ... ويذكر مآثر جديه رسول الله وأمير المؤمنين علي وأبيه أبي عبدالله الحسين ويذكر ما جرى في طف كربلاء حتى ضج الناس جميعا بالبكاء والنحيب حتى خشي يزيد أن ينتفض أهل الشام علية فأمر المؤذن بالأذان ليقطع حديث الأمام السجاد . فلما قال المؤذن :
الله أكبر قال علي السجاد (ع) : لا شئ أكبر من الله , ولما قال أشهد أن لا إله إلا الله , قال الأمام (ع) : شهد بها لحمي ودمي وبشري وشعري , ولما قال : أشهد أن محمد ا رسول الله , ألتفت علي أبن الحسين إلى يزيد أبن معاوية وقال :
محمد هذا جدي أم جدك , فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت , وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته ؟! )*1
فلم يحر الطاغية يزيد جواباًُ , وأضطر لأن يكذب ويقول أن عبيد الله أبن زياد قد تصرف من عنده , وإنه لم يأمره بقتل الحسين ! وبذلك أنكشفت حقيقة التضليل والدعاية الأموية في تجهيل الناس وخداعهم لأن الأمام السجاد أكتفى بخطبته بالتعريف لنفسه وأهل بيت النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وبهذا القدر من الخطبة توضح للناس بأن هؤلاء السبايا والأسرى هم أل بيت النبي (ص) وليسوا من الخوارج كما بثته ماكنة الدعاية الأعلامية الكاذبة لحكام بني أمية . *2
ولم يكتفي الطاغية الأموي يزيد بقتل الأمام الحسين وأهل بيت النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في واقعة الطف في كربلاء عام 61 للهجرة , بل تجاسر وأصدر أوامره الى الجيش الأموي بقيادة مسلم ( مسرف ) بن عقبة على ( مدينة الرسول (ص) في عام 63 للهجرة ) *3 , لأخماد أنتقاضة قام بها المهاجرون والأنصار , فاستباح المدينة لمدة ثلاثة أيام بفعلون فيها ما يشائون , وأعتبرها من مدن الكفار المحاربين وقتل فيها من قريش والأنصار والصحابة وأبنائهم ما يقارب الألف وسبعمائة وقتل أكثر من أربعة آلاف من سائر الناس , وولدت فيها أكثر من ألف أمرأة من غير زوج , وسميت هذه بوقعة الحرة !
(وفي سنة 64 للهجرة )*4 حاصر الجيش الأموي الكعبة بعد أن تحصن فيها عبد الله بن الزبير وضربها بالمنجنيق وهدمها وحرقها ولكن الله تعالى لم يمهل ذلك الفاسق الأموي يزيد بن معاوية كثيرا, فهلكهُ وانكسر جيشه ولم يبق من ذكره شئ سوى اللعن من الله والملائكة والناس أجمعين , وقام بعدها عبدالله بن الزبير ببناء الكعبة مرة أخرى , وفي سنة 73 هجرية عاودَ خليفة يزيد الطاغية الأموي عبد الملك بن مروان حصار الكعبة وضربها بالمنجنيق وحرقها وقتل أبن الزبير, ثم أعاد بنائها مرة أخرى .
*1 مقتل الحسين للخوارزمي : 2/60*2 جاء في البيهقي في لباب الأنساب /23 , صواعق أبن حجر 2/488 , الأحتجاج 2/34 : ( عن ديلم بن عمر قال : كنت بالشام حين أتيَ بسبايا آل محمد , فأقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا وفيهم علي أبن الحسين فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرون الفتنة , فلم يأل عن سبهم وشتمهم , فلما انقضى كلامه قال له علي أبن الحسين : إني أنصتُّ لك حتى فرغت من منطقك , وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء , فانصت لي كما نصتُّ لك . فقال له هات . قال علي : أما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ قال : نعم . فقال له : أما قرأت هذه الآية : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى . قال : بلى . فقال نحن أؤلئك ! فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصا دون المسلمين ؟ فقال : لا . فقال : أما قرأت هذه الآية ؟ وآت ذا القربى حقهُ ؟ قال : نعم . قال علي : فنحن أؤلئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم ! فقال الشامي : إنكم لأنتم هم ؟ فقال علي نعم . فهل قرأت هذه الآية : واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ؟ فقال له الشامي : بلى . فقال علي : فنحن ذو القربى !فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون المسلمين ؟ فقال : لا . قال علي بن الحسين : أما قرأت هذه الآية : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ؟ قال : فرفع الشامي يده الى السماء ثم قال اللهم إني أتوب إليك ! وأبرأ إليك ممن قتل أهل بيت محمد ! ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم )
*3 تاريخ دمشق : 27/429 , فتح الباري : 13/60 , سير الذهبي 3/324 , الطبري : 4/380 .*4 ابن ماجة : 1/623 , فتح الباري 3/354 , : 8/245 , تاريخ دمشق :14/ 385
https://telegram.me/buratha